د. نسرين الحميد

نايف الروضان جراح الأعصاب السعودي صنف ضمن ثلاثين عالماً للأعصاب الأكثر تأثيرا في العالم للعام 2014، وقد أثبت ريادته في تطبيق علم الأعصاب والآثار العصبية والسلوكية للكيميائية العصبية والآليات الخلوية التي تدعم العواطف. وتوجهت أبحاثه واهتماماته لتحليل الاتجاهات في الجغرافيا السياسية المعاصرة والأمن العالمي والأمن القومي وأمن امتداد الثقافات والحرب والسلام.
لهذا الفيلسوف الباحث والعالم السعودي القدير العديد من النظريات والمؤلفات المكتوبة باللغة الإنجليزية، والتي لاقت تأثيرا وقبولا واسع النطاق بين مراكز الأبحاث العلمية المتقدمة، وما زالت تحدث حراكا فلسفيا وفكريا وتحظى بقبول لافت لدى أصحاب الفكر الفلسفي في تلك المراكز.
مجلة الدبلومات للشؤون الجارية الدولية الرائدة والمختصة بالتحليل النوعي والتعليق على الأحداث التي تقع في آسيا وحول العالم، واحدة أهم المجلات التي تصل لجمهور مؤثر من المعلقين وواضعي السياسات والأكاديميين في تعاملاتها مع عمق القضايا الإقليمية، نشرت مقالا حديثاً بتاريخ 13/11/2015 للبروفيسور نايف الروضان كتب فيه عن:
السلاح الفرط صوتي والأمن العالمي: قدرات مثيرة للإعجاب – والقلق في آن معا محللاً وملقيا الضوء على تزامن السباق نحو التكنولوجيا المتقدمة من بعض الدول، لافتاً النظر لفرضية استقرار السلام وترسيخ مبادئ الأمن الدولي من جهة، وعلى تداعيات نشوب حرب شاملة مدمرة لكوكب الأرض من جهة أخرى، ضمن معطيات أمنية ومخاطر جيوسياسية جديدة، وكأنما نحن على شفا سباق تسلح تكنولوجي جديد.
ويمضي كاتب المقال - قائد الجغرافيا السياسية للعولمة وبرنامج الأمن العالمي- لافتا الرؤى  لنظرتين؛ الأولى تترقب اندلاع تدمير العالم، والأخرى لإحلال سلام عادل فيه؛ ولا خيار لنا في قراءة تحليله إلا أن نقف أمام ما يحمله لنا عنوان المقال من إمكانات تكنولوجية متقدمة تثير الإعجاب والقلق في مشهدين متنافرين قد يحمل أحدهما بوادر حرب كونية مدمرة!
ويكشف المقال المنشور حديثا حقيقة أن الصين نفذت أربعة اختبارات لتجريب صواريخ وأسلحة الفرط-صوتي المتقدمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بحوالي 5 مرات على الأقل في غضون 18 شهرا فقط، مما يدل على أن بكين لا ترى بُدّا من تطوير أسلحتها التكنولوجية المتقدمة، ولكن هذه المرة بقيم عسكرية حاسمة لنُظُم السلاح فرط الصوتي المتقدم، والعمل على قدم وساق كي تصل في هذه القدرة لضرب الأهداف ضمن السرعة والدقة والوقت المطلوب بشكل لم يسبق له مثيل.
وقد كشف المقال عن أن هذه القدرات التي تسعى بكين لتطويرها قد تكون كافية لتحييد الدفاعات الصاروخية الاستراتيجية للولايات المتحدة؛ إن كانت قادرة على تجنب آثار نظم الإنذار المبكر أو الكشف عن طريق الرادار.
 ويضيف الخبير الأمني في مقاله أنه مع كون الولايات المتحدة تاريخيا السباقة في تطوير نظم أسلحة الفرط – الصوتي إلا أن الصين، على الرغم من كل نجاحاتها، هي الآن في مجرد محاولة اللحاق بالركب، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر للعام 2001، حيث كثفت الولايات المتحدة جهودها وأعلنت عن مشروع عسكري يسمى الضربة الكونية الخاطفة، الهادف إلى إيجاد وسيلة لحمل عبوات ناسفة إلى الأهداف المطلوب تدميرها في أي منطقة من مناطق الكرة الأرضية في زمن قصير جدا، متضمناً إنشاء أسلحة صاروخية هجومية غير نووية تستطيع أن تضرب أي بقعة في العالم في أسرع وقت ممكن بعد صدور قرار مهاجمتها. ووفق ما جاء في المقالة، فإنّ تقدّم التكنولوجيا في المشروع الفرط صوتيّ يمكن أن يخلق ما يكفي من الخلافات التي تسهم بتجديد سباق التسلح الاستراتيجي والمنافسات الجيوسياسية وتهديد السلم العالمي.
ويمضي المقال في إثارة  نقاش يقِظ لعواقب استخدام سلاح فرط صوتيّ بوصف: حظر التجارب – كاحتمال مرغوب فيه إلا أنه غير مرجح ويؤكد الروضان أن هنالك حاجة ملحة لمواصلة تدابير بناء الثقة والتوجه لمزيد من الحوار، ولكن آفاق المشهد الحالي بهذا الشأن ليست مشرقة على ما يبدو، حيث لم تكن عموم الدول والجهات الفاعلة الدولية متعاونة للغاية ولا على النحو المأمول في العديد من الخطوات التنظيمية المُلحة التي تتطلبها التقنيات الاستراتيجية الناشئة.
ويضيف: على الصعيد العالمي، لا يزال يتعين علينا مواجهة التهديدات الأمنية القائمة مثل الذكاء الاصطناعي، والحرب الروبوتية، والبيولوجيا التركيبية، حيث بات من المرجح أن يمضي سباق التسلح قُدُماً وبأقصى سرعته نحو تطوير أسلحة فرط الصوت المتقدمة.
ويختتم الروضان صاحب نظرية التاريخ المستدام (SustainHistory) مقاله الأحدث في مجلة الدبلومات مؤكدا أن: استمرار التوتر بين بعض الدول، والحديث عن كرامات الأوطان والتفاخر بالتهافت على الهيمنة وبسط النفوذ والقدرة التنافسية، باتت عوامل واقعية جذابة تُذكي النزعة نحو مواصلة التسلح بأسلحة فرط الصوت المتقدمة، على الرغم مما قد تسهم به في المدى البعيد وامتداد انعكاساتها إلى زعزعة وتهديد بيئة الأمن والسلم الدوليين.
البروفيسور نايف الروضان هو مؤلف كتاب: (تعريف ما وراء الجغرافيا السياسية للفضاء الخارجي: تحليل الفضاء والطاقة والأمن والحكم: من إصدار باسينغستوك: بالجريف ماكميلان، 2012). والجدير بالذكر أن هذا الكتاب يقدم نظرة فاحصة في الجغرافيا السياسية للفضاء الخارجي من خلال إطارٍ تحليلي مبتكر وفريد، ينظر فيه لما وراء الجغرافيا السياسية بأبعادها المبتكرة. ومن الأمور الأكثر تميزا في هذا الكتاب هو تناول المؤلف ما ورائيات - الجغرافيا السياسية بالتحليل الشامل لكل من السلطة والحكم والفضاء والأمن، ومن ثم ربطها بالجهات الفاعلة جيوسياسيا في العصر الحالي. وتتسع المقارنة في مناهج وطرق الجيوسياسية التقليدية المتجذرة بعمق في الجغرافيا والديموجرافيا والاقتصاد، لتشمل دائرة التعريف بقوى الفضاء، ويضاف إلى مفهومها قدرات أخرى للسلطة والحكم لتشمل نواحي صحية واجتماعية، والسياسة الداخلية وتمتد أيضاً لتشمل الأبعاد البيئية في مكوناتها الرئيسة.
ويتيح الكتاب في طرحه لهذا الإطار تقييما أكثر شمولا للتوجهات الاستراتيجية لقوى حكم الفضاء مما يمكن اعتباره مرجعا أساسيا لتطوير نموذج جديد لحوكمة الفضاء.
يذكر أن البروفيسور نايف الروضان قد اشتهر باهتمامات فلسفية وجيوستراتيجية (السياسة الخارجية) هامة، شملت الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط والفضاء الخارجي والعدالة العالمية وكرامة الإنسان والتاريخ المشترك للإنسانية.
إن ما قدمه المفكر الروضان من فلسفة ونظريات استلهمها من إرث إسلامي، أحدثت فرقاً في الفلسفة العصرية التي تتطلع لما يستجد من عصر التقنية في سباقها المحموم للتسلح بأنظمة قتال فتاكة قد تسهم أيضا في ازدهار البشرية إن حل العدل والتعايش.
 ولم يغفل الروضان عن تقديم فلسفته لنخب العالم كنظريات مشتقة من روح الإنسانية تأكيدا لمبادئ العدل وتحقيقا لكرامة الإنسان للعيش في تاريخ مستدام كما قدمه للعالم في إنتاجه الفكري والفلسفي الوضّاء.
* البروفيسور نايف الروضان عضو فخري وزميل كبار الباحثين في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد العريقة، وكبير باحثي الجغرافيا السياسية، ويشغل منصب رئيس برنامج الأمن العالمي في مركز جنيف للسياسات الأمنية. وهو مؤلف لأكثر من عشرين كتابا.