لا يملّ كارهو السعودية والمتربصون بها هوايتهم بالصيد في الماء العكر، رغم أنهم ينتهون -في كل مرة- فوق ضفة فشل، فيما تزداد المملكة -كل يوم- ثباتا ورفعة.
جربوا هوايتهم، حين تستروا برداء الثورة الإسلامية لإحداث وقيعة بين حجاج بيت الله الحرام تبرر لهم التدخل في الشأن السعودي، فلما فشلت مؤامرتهم التزموا الصمت سنوات، عادوا بعدها بحيلة أخرى أكثر دهاء تمثلت في الدفع ببعض حجيجهم ليهتفوا من فوق الأراضي المقدسة لزعماء دنياهم، تصورا منهم أن ذلك سيحرج المملكة أمام العالم ويضعها أمام امتحان صعب، وهو ما ثبت خطؤه إذا تصدت أجهزة الأمن بحسم لتلك المحاولة، بينما اتخذت حكومتنا الإجراءات الكفيلة بصيانة قداسة الفريضة وحرمة المشاعر.
جربوا ذلك أيضا في مطلع التسعينيات عندما زجوا بأحد القادة العرب ليمول حملة إعلامية واسعة النطاق تشكك في قدرات السعودية على إدارة الحج وتحفز الرأي العام الإسلامي باتجاه تبني فكرة التدويل الخبيثة، وكالعادة تصدت حكومتنا بكفاءة لهذه المزاعم، وتمكنت من وأدها في المهد، وذلك بالتوازي مع نجاحها الكبير في مشاريع توسعة الحرمين الشريفين، وفي تطوير الخدمات التي تقدم لضيوف الرحمن، بما في ذلك القادمون من رعية حكام يناصبون بلدنا العداء ولا يريدون لها سوى الخراب.
وعلى الرغم من مؤامرات كثيرة دبرت ضدها ووصلت إلى حد التخطيط لاغتيال قادتها، بقيت المملكة وفية لثوابتها الإسلامية والإنسانية الراسخة، فلم تقع لا في فخ الكراهية المقيت للشعوب الإسلامية الأخرى بجريرة حكامها المتآمرين، ولا في أتون الصراعات الإقليمية التي ضيعت على الأمة كثيرا من ثرواتها في معارك صغيرة، بل على العكس استمرت السعودية في خدمة دينها والمسلمين في كل بقاع الأرض. يشهد على ذلك ما يلقاه حجاج بيت الله الحرام من رعاية وأمن على مدى عقود طويلة، وتشهد عليه أيضا الصروح الإسلامية التي شيدتها المملكة في مختلف أنحاء العالم، وكذلك العطاءات الإنسانية الكثيفة والمتجددة، لا سيما لإخوتنا في الدول الفقيرة.
وعلى ما يبدو، فقد تصور هؤلاء المتربصون أن الفوضى التي أعقبت الربيع العربي ستطال المملكة فتحقق لهم مآربهم القديمة دون جهد، لكن الله تعالى حمى بلاد الحرمين من ذلك كله لتبقى بمثابة جدار الأمن الأخير لكل العرب والمسلمين، الأمر الذي جعلهم يعودون إلى هواية الصيد الخبيث، فمرة يتحدثون عن مضايقات لبعض زوار المدينة المنورة، وأخرى عن تجاوزات بحق حجاج في مطار الملك عبدالعزيز بجدة، وأخيرا: راحوا يتاجرون بأرواح ضحايا حادث التدافع، متوهمين أنهم بذلك سيحققون مقصدهم القديم/ الجديد، غير أن القيادة السعودية أدركت ما وراء ذلك مبكرا، فسارعت بالتحرك، واثقة في أن الله تعالى سينصرها وسيرد كيد المتنطعين.
ستبقى السعودية -بإذن الله- حاملة مشعل خدمة ضيوف الرحمن، وهذا ليس شرفا يخص حكام المملكة وحدهم ولا أبناء منطقتي مكة والمدينة المنورة فحسب، وإنما دور يتشارك فيه 20 مليون سعودي يتوزعون في كل ربوع المملكة، ويؤمنون أن أمن الوطن كأمن الحرم.. كلاهما دونه الموت.