ما لا يعلمه سياح فرنسا عند أخذهم الصور التذكارية بجوار Arc de Triomphe قوس النصر، أن نابليون أراده ليخلّد انتصارات جيوشه التي سرقت مئات التماثيل من العصر الهلنستي! والتحف الإغريقية والأقنعة الفرعونية، والدروع الرومانية المنقوشة لنبلاء ميلان مسقط رأس عصر النهضة وإرسالها إلى حاضرة النهضة في وقتها باريس، اللوفر لتصبح دولة الفن والأدباء صاحبة أضخم مجموعة فنية مسروقة في تاريخ البشرية.
يعتقد كثيرون أن عقدة الذنب الفرنسية هي أحد العوامل التي جعلت فرنسا تلعب دور الأم الحنون داخليا منذ نهايات الحرب العالمية الثانية، بعد أن فتحت أبوابها للمهاجرين من كل حدب ينسلون! وسمحت لهم ببناء المعابد والمساجد وشجعتهم على نشر دياناتهم بمنتهي الحرية!
أحد أسباب الفسح يكمن في هلع فرنسا من استشراء عنصرية العرق الأوحد بين الفرنسيين كما استشرت بين الألمان زمن النازية، بعد أن قتلوا إخوتهم ألمان يهود، ألمان غجر، ألمان بروسيون، فكانت العنصرية سببا في سحق الحضارة الألمانية وردها إلى العصور الوسطى.. ولولا مساندة أميركا لهم خلال الحرب الباردة ضد السوفيت لكانت ألمانيا اليوم مثل قرميا.
ثم مضت السنون وأعاد الشعب اليوغوسلافي السيناريو النازي نفسه، فقسموا دولتهم وأحرقوها على يد أبنائها المخلصين الذين قسموا المجتمع هذا صربي أرثودكسي وهذا هرسك رفضي، وهذا كرواتي ابن 66، وهذا كوسوفي سني! حتي مزقوا بلدهم شيعا تحت قيادة كبيرهم الذي علمهم السحر الرئيس الخالد سلوبودان ميلوزوفتش الذي سحق ومحق الثوابت الوطنية، وحس الانتماء الوطني للشعب اليوغوسلافي على حساب المذهبية! فلا يوجد اليوم دولة اسمها يوغوسلافيا على الخريطة!
وقد كتبت ذلك.. لإيماني العميق بأن مهمة الصحافة لا تقتصر على التعبير عن مشاكل الناس وإنما هدفها التنوير والتثقيف فلا يتحول الإبداع إلى مهنة.. والفكر إلي وظيفة هدفها ملء الصفحات... كبعض الكتاب الذين لم تُصقل جواهر فكرهم بنيران العنصرية! ولم تكتو متطلبات ترفهم بلهيب الإقصاء! فإن العناء هو ما يفجر الينابيع اللقمانية.. فيكشف عنك غطاء البغبغة والتقليد.
وأعلم أن حرية رأيك يجب أن تنتهي عند عتبات معتقدات الآخرين! فلا تسفه مذاهب الناس على اختلافها! وتشتم أنبياءهم! أو تسب صحابتهم رضوان الله عليهم! وتستخف دماءهم! ثم تستغرب من سرعة سيلانها في الشوارع... وها- قد عرفتَ فالزمْ! وَلا ينبئك مثل خبير!