لا شك أننا سنكون أمام تفويض ما أو قرار أممي من مجلس الأمن، يجعل من روسيا مديرا دوليا للنزاع الدائر في سورية، وربما سنشهد تكليف فرنسا والفاتيكان بإدارة الأزمة الفلسطينية وكذلك اللبنانية
انطلقت بالأمس أعمال الجلسة الافتتاحية للدورة السبعين للأمم المتحدة، وربما لن تكون محل اهتمام العديد من الشعوب المستقرة التي لا يتعلق أمنها واستقرارها بالأمم المتحدة ومجلس أمنها. وهنا نستطيع التأكيد أن العرب هم أكثر من يهتم باجتماعات الأمم المتحدة، لأننا ومنذ عام 1947 ونحن نعاني فشل الأمم المتحدة في حل النزاعات التي زرعتها في منطقتنا مع اعترافها بدولة إسرائيل.
منذ ما يقارب سبعة العقود، والعرب ضيف دائم على جلسات مجلس الأمن وعلى الجمعيات العامة للأمم المتحدة، ولدينا رصيد كبير من القرارات الدولية ومنها كثير تحت الفصل السابع. وبقديمها وحديثها، كلها كأنها لم تكن. هذا بصرف النظر عن لعبة الفيتو التي أيضا تشكل رصيدا عربيا كبيرا وربما من كل الدول الخمس المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي استخدمت حق النقض بالقضايا العربية، حسب تغيير السياسات والتحالفات. هذا عدا النزاعات التي كانت تلك الدول طرفا رئيسا فيها، خصوصا إبان الحرب الباردة.
كان للحرب الباردة آثارها البالغة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والتي انتهت بانتصار أميركا في تلك الحرب، فبعد أن كان تأثير الولايات المتحدة كبيرا على الأمم المتحدة إبان الحرب الباردة أصبح كليا بعدها، فاستتبعت الأمم المتحدة للإدارة الأميركية في ظل عدم وجود قوة موازية، ودخل العالم في تجربة الأحادية الأميركية المدمرة والتي كانت منطقتنا مسرحها الوحيد.
بدأت الألفية الجديدة مع اتجاه عسكري للأحادية الأميركية والعودة إلى زمن الاحتلالات. كان احتلال العراق قمة تلك النزعة العسكرية الأميركية، فتجاهلت رفض مجلس الأمن لهذه الحرب وأقامت تحالفا خاصا واحتلت العراق، وعمدت إلى تفكيك الدولة العراقية، معلنة استراتيجيتها الجديدة في المنطقة وهي الفوضى الخلاقة التي حصدت مئات آلاف القتلى وملايين المهجرين، وفتحت الأبواب لدول الجوار بالتوسع والتوغل في الداخل العربي، خصوصا إيران.
انتهت الأحادية الأميركية بأضرار كبيرة على منطقتنا والعالم وعلى الأمم المتحدة. وكانت نهاية المحافظين الجدد الذين أداروا الفوضى الخلاقة في عهد بوش الابن، وذلك بعد صدور تقرير بيكر-هاملتون الذي وضع سياسة موحدة للحزبين الأميركيين، معتبرا أن احتلال العراق كان كارثيا على أميركا وأصدقائها. على هذا الأساس انتخب الرئيس أوباما الذي اعتبر أن مهمته الأساس هي الانسحاب العسكري من العراق والنزاعات. وبدأ سياسة ما يعرف بالقيادة من الخلف، وأصبحت أميركا رئيسة لجنة المناقصات لتعهدات النزاعات من الدول الكبرى والدول الإقليمية.
ستشهد الدورة السبعين للأمم المتحدة ما يشبه تشريع الاحتلالات للدول تحت مسميات جديدة. وتتقدم الصفوف روسيا التي بدأت بتجسيد هذه السياسة أولا في أوكرانيا، وها هي تتمادى فيها الآن في احتلال سورية عشية ذهاب بوتين إلى الأمم المتحدة، وقد استبقت ذلك باجتماعات سياسية وأمنية مع إيران وكذلك مع نتنياهو ورئيس أركانه ومدير مخابراته.. وكان الاتفاق تاما حول سورية. وأخيرا كان اللقاء مع إردوغان الذي غير موقفه من سورية، مع ما نسمعه من ألمانيا وغيرها حول سورية. لذا فإننا لا شك سنكون أمام تفويض ما أو قرار أممي من مجلس الأمن، يجعل من روسيا مديرا دوليا للنزاع الدائر في سورية.
ستشهد الساحات العربية الملتهبة تطورات دولية تضعها في إطار تكليف هيئة دولية لإدارة النزاعات مباشرة من الدول الكبرى وليس عبر موفدي الأمم المتحدة. وبذلك سيتبع الموفد الأممي إلى سورية، دي ميستورا، للإدارة الروسية بما أنها هي المدير المباشر للأزمة السورية بالتعاون مع إيران وإسرائيل وتركيا. وربما سنشهد تكليف فرنسا والفاتيكان بإدارة الأزمة الفلسطينية والأزمة اللبنانية وذلك مع إعلان الرئيس الفرنسي هولاند عن نيته بزيارة لبنان في الشهر القادم. بالإضافة إلى مبادرة الوزير الفرنسي فابيوس بإطلاق عملية دولية لإعادة التفاوض حول الدولة الفلسطينية، والتي تترافق مع تطورات كبيرة في المسجد الأقصى. ولا بد من متابعة زيارة بابا روما إلى أميركا ولقائه الرئيس أوباما وإلقائه كلمة أمام الكونجرس، وبالتزامن مع نجاح الفاتيكان في تحقيق المصالحة الكوبية الأميركية. وأيضا سيكون لبابا روما كلمة استثنائية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما العراق وليبيا فمن الواضح أن الولايات المتحدة تريد الاحتفاظ بإدارتهما، خصوصا بعد عودة الجيش الأميركي إلى العراق لمحاربة داعش، وبالتزامن مع المظاهرات والحديث عن الفساد الذي يجعل من أميركا ضرورة قسوة لاستقرار العراق بعد أن سقط بالفوضى والنزاعات من بين أيدي إيران التي فشلت فشلا ذريعا في إدارة العراق.. أما في ليبيا، فمن الواضح أيضا أن ما خلص إليه الموفد الدولي برناندينو ليون من توقيع وثيقة المصالحة التي تزامنت مع توقيع عقود ليبية مع شركات أمنية أميركية تجعلنا نعتقد بأن الولايات المتحدة ستتموضع عسكريا في جنوب المتوسط.
عاد الرئيس اليمني إلى عدن التي كان قد غادرها قبل ساعات من القمة العربية في القاهرة. وها هو يغادر عدن إلى الأمم المتحدة لإلقاء كلمته مسلحا بالقرار 2216 تحت الفصل السابع وبالتحالف العربي الضامن لوحدة اليمن واستقراره. وبذلك تكون الأزمة اليمنية وحدها تنعم بالاحتضان العربي والسعودي تحديدا، فيما الأزمات العربية الأخرى أصبحت أزمات دولية بامتياز، وبذلك سنكون أمام: الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة على العرب.