لنتفق في البداية أنه ليس من المنطق الحجر على الأذواق والاتجاهات الفكرية والأدبية وتوجيهها لتصب في إناء واحد تحت أي مبرر. لكن في الوقت نفسه، يجدر بالجهات المختصة وبالمثقفين عموما أن يقفوا وقفة تأمل وشفافية أمام الغثاء الكتابي الذي يمارس تحت اسم النشر الأدبي الخاص، فللنظر إلى التراكم العجيب لبعض ما يطلق عليه بهتانا دواوين شعرية أو مجموعات قصصية والأسوأ الكثير مما خط على أغلفته عبارة رواية، والأسوأ أن هذا الغثاء تحتضنه المكتبات الرسمية قبل التجارية. صحيح أن الغثاء سيذهب ويتلاشى إذا وجد الجيد فنيا، إلا أن خطورة تراكم تلك المؤلفات المتواضعة وجعلها في عداد المنتج الأدبي السعودي، بل وتعمد بعض المنتفعين الترويج لها، ستنكشف ـ تلك الخطورة ـ للجميع في حال نفذت وزارة الثقافة والإعلام وعدها بإجراء انتخابات لمجالس إدارات الأندية الأدبية عن طريق دعوة جمعيات عمومية، ستشكل بناء على اللائحة الجديدة التي سبق وأن أعلنت عنها. فمن خلال التجارب السابقة وهي تعيين لا انتخاب، يمكن ملاحظة أن التسابق على عضويات مجالس إدارات المؤسسات الثقافية، لا يأتي غالبا من المثقفين أصحاب الحضور الإبداعي الحقيقي، فمعظم هؤلاء يفضلون الاعتكاف على الإنتاج وتطوير أدواتهم الكتابية، بعكس الآخرين الذين يتسابقون في ردم هوة سيرهم الذاتية بمؤلفات (من الشرق والغرب)، حيث يعتقدون أن الجواز للعبور إلى صفة مثقف لا يأتي إلا ببطاقة عضوية مجلس إدارة.
وبمناسبة الملاكمة الإعلامية التي تشهدها حاليا جمعية حماية المستهلك ممثلة في مجلس إدارتها وهي ـ كما قيل ـ جمعية منتخبة، فإنني أقترح على المتلاكمين الاستفادة من خبرة المؤسسات الثقافية المحلية في الملاكمات العنيفة التي عادة ما تنتهي بالضربة القاضية، حيث إن تراكم الخبرات مهم في كسب الجولة. فإنا أجزم أن أهم سبب لإقدام وزارة الثقافة والإعلام على خطوة الانتخاب ـ إن فعلت ذلك ـ هو محاولة أخيرة للقضاء أو على الأقل للتخفيف من ملاكمات الأندية الأدبية التي صدعت رؤوس مسؤولي الوزارة. ولكن الخطة ستفشل حتما، في حال وقع المحظور وتصدر الانتخابات أنصاف مثقفين ومبدعين الذين ذكرت طبيعة إنتاجهم في مقدمة المقال، في ظل عزوف المبدع والمثقف المعروف عن جمع أصوات أو حتى تكاسل عن مجرد تسجيل اسمه في الجمعية العمومية والترشح لمجلس الإدارة. وهي الثغرة التي سيستغلها المتسابقون على الكراسي، وهم بالطبع الأقدر على التسويق للذات، فكأن إعلاناتهم بـالبشوت في الوسائل التي يسمح بها النظام، أمامي الآن، ولن يختلف كثيرا عما شاهدناه في الانتخابات البلدية، فالجميع نتاج ثقافة واحدة.