أدعو المواطن السعودي لأن يتأمل في النعم التي نعيشها، والأمن الذي أنعم الله به علينا، والأحداث التي عصفت وما زالت تعصف بمن حولنا، ثم نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا للوطن؟
بماذا نجيب عندما يسأل الوطن عن دور أبنائه وماذا قدموا له؟ إذا كان قد قيل لكل مواطن مهما كان حجم الدور الذي يلعبه في خدمة الوطن العبارة التي قالها سياسي بارز: لا تسأل عن ما يقدمه لك الوطن، بل اسأل عن ما تقدمه أنت للوطن، وإذا كان المطلوب في الأحوال العادية أن يسأل أي مواطن عما قدمه للوطن فإنه من باب أولى أن يسأل المواطن الآن هذا السؤال في هذا العصر المتبدل المختلف المُتحدي المُستفز والملتهب.. المواطن الحقيقي هو الذي يدرك بوعي كامل ما هي مكتسبات الوطن، وكيف تحققت والجهود والأموال والوقت الذي استغرق في تحقيقها؟ ثم يدرك بوعي كامل ما معنى أن يفقد الوطن -لا سمح الله- كل ذلك. المواطن الحقيقي هو الذي يمتلك رؤية عميقة لما يعني الموقف الذي يتخذه وما هي نتائجه. المواطن الواعي هو الذي يقف خلف الوطن في قيامه وانتكاسه، في سلمه وحربه. يذهب معه في كل الظروف ويعود معه في كل الأحوال. يقف خلف قيادته.. هنا في هذه الظروف نحافظ على لحمة الوطن وتماسكه. هنا نقف سدّاً منيعا أمام الحاقدين والحاسدين والأعداء.
المواطن الحقيقي يعين الوطن على تجاوز أخطائه وعلى التماسك والتلاحم وهزيمة أعداء الفكر الذين يتربصون به وبشبابه الدوائر. لا يوجد في التاريخ ولا حتى في أي عصر مهما كان صلاحه أمة لا تخلو من التجاوز والأخطاء والسلبيات. ولا يوجد بشر في التاريخ من نوع الرسل المنزهين من هذه التجاوزات والأخطاء.. لكن إبرازها والحديث عنها والتحريض على الدولة يؤدي إلى تشويه الصورة وكسر اللحمة وسهولة الاختراق ثم ضياع الوطن وضياعنا جميعا.. نحن مع بلادنا قلبا وقالبا في الخير والشر.. مع بلادنا في السلم والحرب.. مع بلادنا في الضعف والقوة.. نطيح معها ونقوم معها نخطئ معها ونصيب معها. نذهب معها ونعود معها.. هذا هو دورنا كمواطنين.. دور المواطن ألا يستجيب لمن يستدرجه. دور المواطن أن يتصدى لدعوات الانقسام والتشرذم عبر مواقع التواصل الاجتماعي للعون على الإطاحة ببلادنا وأهلنا وضياع وطننا وانقسامه. دور المواطن أن يحمى الوطن من الانزلاق إلى أوضاع تُسلب فيها الحقوق وتُهتك الأعراض وتُسبى النساء ويسري فيه الدمار الذي يأكل الأخضر واليابس. دور المواطن أن يكون واعيا في مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجالس والمنتديات التي تستحلب الفكر المعارض وتشد على أيدي أصحابه. دور المواطن أن يعي تمام الوعي أننا نعيش في ظروف مختلفة وحسّاسة ينشط فيها المتربصون بنا، ويحتال فيها أعداؤنا باستخدام شتى الوسائل والحيل لاستدراجنا -نحن المثقفين- بطرق بارعة وأساليب شيطانية حتى تتحقق أمنياتهم بتمزيقنا وتحطيمنا وتفريقنا لنكون نحن في النهاية الخاسر الأعظم. دور المواطن أن يعرف طرق الاختلاف وأنواعها ثم يسلك الطريق الذي يؤدي إلى الإصلاح مع الحفاظ على المكتسبات. وأن يعرف أن هناك اختلاف تضاد يؤدى إلى المواجهة وتكسير العظام. إن هذا النوع من الاختلاف شيطاني لا يؤدي إلى تقويم الاعوجاج، بل إلى التفرقة. ونوع آخر هو اختلاف التنوع الذي يعني أننا نتفق على الأهداف ونختلف على كيفية الوصول إليها. دور المواطن ألا ينزلق في المنزلقات الخطرة وينضم إلى فرق التشرذم والانقسام. نعم نعرف أن لدينا أمورا نختلف على كيفية حلها، ونعرف أن لدينا ملفات صعبة نختلف على طرق التعامل معها.. لكن ما نراه وما نسمعه وما نقرأه حولها يؤدي إلى مشكلات أكبر وأصعب من هذه الملفات. أنا لا أدعو إلى عدم الحديث فيها أو اقتراح الحلول حولها حتى لا يقال إنني مصاب بالجهل.. لكنني أقول إن العالم يعيش ظروفا حساسة وإننا مستهدفون وإن مثل هذه الملفات تستغل.. نعم تستغل ويستغل مثلها بفكر منظم وبلاغة في الطرح حتى تبدو بلادنا في صورة مشوهه لا تكشف الحقيقة.. هذا ما أعنيه.
وخلاصة القول.. فإنني أدعو هنا المواطن الكريم لأن يتأمل في النعم التي نعيشها، والأمن الذي أنعم الله به علينا، والأحداث التي عصفت وما زالت تعصف بمن هم حولنا (مع الدعاء الخالص له -سبحانه وتعالى- أن يفرج كرباتهم عاجلاً غير آجل)، نتأمل كل ذلك ثم نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا وماذا سنقدم للوطن للمحافظة على مكتسباته وتطويره ووضعه في مصاف دول العالم المتقدم؟ كيف نحافظ على لحمته وتماسكه؟ أدعو كمواطن محب لوطنه إلى أن نبرز مكتسبات الوطن وإنجازاته، وأن يعي تمام الوعي ما معنى أن نفقد مكتسباتنا على مستوى الأمن وعلى مستوى التنمية. وأن تكون لدى المواطن رؤية بعيدة المدى. إننا بتصرفاتنا المسؤولة نحافظ على الوطن ومكتسباته، وبالمقابل بتصرفاتنا غير المسؤولة نعمل على تدمير أنفسنا وبلادنا وأمننا وضياعنا. اللهم احفظنا ووطننا وأمتنا وجميع أوطان المسلمين.