آمل من وزارة التربية والتعليم عدم الاكتفاء بشرح فتوحات الملك عبدالعزيز وانتصاراته رحمه الله، فمواقفه من أسرته وجنوده وشعبه وسياساته الداخلية والسياسية تستحق الدراسة والبحث

اعتقد، والله أعلم، أن التأمّل في سيرة الملك عبدالعزيز رحمه الله، يجب ألا ينحصر في فتوحاته وانتصاراته، فهو دون شك قائد محنك، إلا أن في حياتـه رحمه الله جوانب عـدة أهملتها مناهجنا الدراسية في المراحل النظامية. وهي في المجمـل ـ ومن وجهة نظري ـ لا تقل عن تلك أهمية. فقد كان الملك عبدالعزيز رحمه الله قائدا وقبل ذلك كان ابنا بارا، وأخا محبا، وزوجا عطوفا، وأبا رائعا وحاكما عادلا . كما لا يمكن لدارس سيرة هذا الملك أن يغفل البعد الديني عنده رحمه الله. لقد كان لذلك الأثر الواضح على نجاحه في مسيرته المباركة، ومن هنا كان الواجب التوقـّف عند معالم شخصيته بكافة جوانبها الدينية والدنيوية، والتي كانت تدعو للإعجاب ليس من مواطن تربـّى على حب سيرته العطرة، بل حتى من قبل باحثين عرب وغربيين حظوا بالجلوس إليه والتعرف عليه عن قرب، إعجاب أو لنقل انبهار سجلوه في دراساتهم، وهذا الجانب بالذات قد أتطرق للحديث عنه معك أيها القارئ الفاضل يوما ما.
أما ما يهمني هنا فهو بيان تأثير البعد الديني على سياساته، فهو لم يغفل يوما تعاليم دينه، سواء كان فاتحا أو قائدا أو ملكا، فقد اعتاد التعامل مع غيره من منطلق إسلامي، أما سياساته فهي بشكل عام فاقت حنكة الدارسين لفن السياسة المتخصصين في أسرارها. لقد كانت خطواته وكلماته تمثل ما يمكن أن يـُقال إنه دستور هذه البلاد الدائم بحول الله.
واليوم يحلو لي التحدث معكم عما حدث في أول يوم دخل الملك عبد العزيز رحمه الله مكة المكرمة، ففي جمادى الأولى من عام 1343هـ دخلها مُحرما دون قتال وما إن وصل إليها حتى نادى بالأمان لها ولمن فيها، وبعد أدائه مناسك العمرة قام باستقبال علماء وأعيان مكة المكرمة وتحدث إليهم، وحديثه هذا من وجهة نظري من الأهمية بمكان. فقد كان أول عمل قام به بعد أدائه لمناسك العمرة، وأعتقد أن القارئ الفاضل سيدرك أهمية ما جاء في حديثه ذاك، فور اطلاعه على بعض ما جاء فيها. فقد كان مما قال رحمه الله: لا ينفعنا غير الإخلاص في كل شيء، الإخلاص في العبادة لله وحده، والإخلاص في الأعمال كلها، والذي أبغيه في هذه الديار أن يعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه في الأمور الأصلية، وأما في الأمور الفرعية فاختلاف الأئمة فيها رحمة . الإخلاص الذي نحن اليوم بحاجة لمن يذكرنا بمعانيه، والذي نخشى أن ينتهي من قواميسنا . لم يكن الملك عبدالعزيز ليقبل بغيره، وفي الأمور كلها في أمورنا الدينية والدنيوية، ولم يكتف رحمه الله بذلك فقد بيـّن أن الأصول لا يمكن للمسلمين الاختلاف عليها وأنه لا يقبل بذلك، أما الفروع فاختلاف المذاهب فيها رحمة.
كما أضاف رحمه الله: والآن أنا بذمتكم وأنتم بذمتي، إن الدين النصيحة، وأنا منكم وأنتم مني، وهذه عقيدتنا في الكتب التي بين أيديكم، فإن خالفنا كتاب الله فردونا عنه، واسألونا عما يشكل عليكم فيها، والحكم بيننا وبينكم كتاب الله وما جاء في كتب الحديث والسنة، إننا لم نطع محمد بن عبدالوهاب ولا غيره إلا في ما جاؤوا به من كتاب الله وسنة رسوله، أما أحكامنا فهي طبق اجتهاد الإمام أحمد بن حنبل، فإذا كان هذا مقبولا عندكم فتعالوا نتتابع على العمل بكتاب الله وسنة الخلفاء الراشدين من بعد. أعتقد أن الملك عبدالعزيز رحمه الله كان بكلامه واضحا بينا، فانتماؤه ومن معه لأحد المذاهب الأربعة جلي واضح لا يستدعي التأويل، كما كان واضحا في أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا عبرة لمن جاء بما يخالف كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولو كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله نفسه.
وبالتالي وجب تبيان هذه النقطة بالذات في مناهجنا الدراسية، فنحن نجل العلامة الشيخ  محمد بن عبد الوهاب، ولا يمكن لنا تجاهل دوره الإصلاحي، وإجلالنا ذاك نابع من اتباعه لكتاب الله ولسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وهو ما أوضحه بنفسه ساعة أن أقبل عليه الإمام المؤسس محمد بن سعود رحمه الله مُرحّبا ومُبشـّرا ببلاد خير من بلاده وبالعزة والمنعة له ولدعوته، عندها قال له الشيخ رحمه الله ما يؤكد أن دعوته قائمة على كلمة التوحيد فقد قال: وأنا أبشرك بالعزة والتمكين وهذه كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها وعمل بها ونصرها، ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وأنت ترى نجداً وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم بعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك.. وكما أشار صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في مقاله  فليحذر الباحثون من فخ مصطلح الوهابيةالذي نشره في جريدة الحياةمؤخرا، من أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله التي أيدها وناصرها الإمام محمد بن سعود رحمه الله واستمر على ذلك أبناؤه وأحفاده إلى يومنا هذا، إنما هي دعوة للعودة إلى مبادئ الدين الإسلامي كما جاءت في الكتاب والسنة النبوية الشريفة.
وأخيرا آمل من وزارة التربية والتعليم عدم الاكتفاء بشرح فتوحات الملك عبدالعزيز وانتصاراته رحمه الله، فمواقفه من أسرته وجنوده وشعبه وسياساته الداخلية والسياسية تستحق الدراسة والبحث، وهي كفيلة بإعطاء أبنائنا وبناتنا صورة أقرب للواقع وللإنسان والقائد والسياسي والملك عبدالعزيز رحمه الله، وأعتقد أن حديثه الأول لعلماء مكة المكرمة وأعيانها يدحض وجود مذهب الوهابية على هذه الأرض، فلو كان الأمر كذلك لكان الملك عبدالعزيز الذي فتح مكة المكرمة دون قتال قادرا على إعلان انتمائه له وهو القوي بفضل الله، خاصة أنه هو الذي اختار بيان تمسكه بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام واتباعه للمذهب الحنبلي، إمعانا منه رحمه الله في بيان الحق من الباطل في قضية كانت وما زالت مثار جدل ومهاترات.. فها هو ابنه سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله يـُكرر الأمر، ويـُعيد بيان الحق من الباطل، في قضية يبدو أن هناك من لا يرغب أن تنتهي.