نمت ما قبل البارحة، فلم أستطع إكمال مشاهدة البقايا من تقرير مخيف عن وضع الدول والرئاسات العربية على شاشة (DW) الألمانية. هي ذات الحقائق التي أعرفها من قبل، والفارق أن هذا التقرير جمع مأساة بني يعرب في كبسولة واحدة. وقبل أن أكتب لكم بعض وقائع هذا التقرير، سآخذكم، فضلا إلى القصة القديمة التالية لعلها تشرح الفوارق في بناء العقل ما بين عالمين ومجتمعين: في مطلع هذه الألفية، شهدت أميركا حالة نادرة فريدة في السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض إلى الدرجة التي كانت فيها أصوات ثلاث قرى صغيرة جدا جدا في شمال شرق ولاية فلوريدا كافية لحسم السباق ما بين جورج بوش الابن ومنافسه آل غور. كان الاختلاف حول 400 صوت فقط كافيا لترجيح أصوات أربعمئة مليون مواطن أميركي. وبعد شهر عاصف من الجدل والمداولات القانونية ما بين المحاكم المتخصصة، قررت المحكمة الأميركية العليا حسم النتيجة لصالح بوش. بعد ثماني دقائق من قرار المحكمة العليا اتصل آل غور مهنئا وداعيا إلى نسيان القصة وداعيا الشعب الأميركي إلى الاتحاد ونبذ الفرقة. كان لآل غور أن يكون زعيم الدولة الأول الأقوى على وجه الأرض. الزعيم الذي كان يحتاج لمجرد 400 فرد/ صوت ليتحكم في ربع اقتصاد العالم. كان له أن يكون زعيم الدولة التي تفرمل اقتصادات الصين والهند عندما يتراجع السلوك الاستهلاكي لشعبه الأميركي. كان له أن يكون الزعيم على شعب لا يسافر منه للخارج سوى أقل من 10% ولا يمتلك منه من جوازات السفر سوى أقل من 17%، لأن أميركا، ووحدها، كوكب مستقل وكرة أرضية لا يحتاج سكانها إلى السفر إلى الكرة الأرضية القديمة. احترم آل غور قرار القانون رغم الجدل الصاخب على أصوات قليلة كانت ستأخذه إلى أعلى منصب في تاريخ البشرية. هنا خلاصة تقرير القناة الألمانية: الليبيون ذهبوا إلى حوارهم الوطني ولكن في الصخيرات المغربية. ذهبوا إلى هناك ولكن بأوراق برلمانين متحاربين وخمسة زعماء وكل فرد منهم يدعي الشرعية. يدخل لبنان أشهرا من عامه الثاني بلا رئيس لأن برلمانه لم يجتمع بنصاب مكتمل لعامين كاملين. سورية اليوم صارت شيئا من قصيدة الساخر أحمد مطر... وزعيما دون دولة. في العراق يتنافس أمراء الحرب على المصفاة والجسر وسد المياه. في اليمن ما زال المخلوع في بيته الصنعاني، وللمفارقة لا يستطيع المنتخب أن يعود إلى بلده. في الصومال، أتحدى أي قارئ منكم أن يكتب لنا اسم الرئيس وكأن تجار حروبها يتنافسون على جواهر الولايات المتحدة. شاهدت التقرير بذهول وكأنني أقرأ بعض صفحات كتاب الكواكبي عن طبائع الاستبداد الذي ألفه قبل قرن من الزمن ثم اكتشفنا بعد مئة عام أننا عدنا إلى الوراء لقرنين من الزمن حتى عن الوضع أيام تأليفه. تكتشف بعد هذه المقاربة والمقارنة أننا نحتاج لألف سنة عقلية حتى نصل إلى صوت العقل الذي أنتج مجتمعا أنجب شخصا مثل آل غور الذي لم يحتج سوى لثماني دقائق كي يقبل بالنتيجة. انتهت المساحة.