حماية تمورنا الوطنية التي تشتهر بمؤشراتها الجغرافية، واجب وطني وحق مشروع لمنع استغلال الأشخاص وسرقة الجهات لمنتجاتنا، أو تقليدها بطريقة تؤدي إلى تضليل المستهلكين حول المصدر الحقيقي لهذه السلع

منذ عام 2009 ووسائل الإعلام تحذرنا من سرقة إسرائيل لتمورنا السعودية، لتبيعها في أوروبا وأميركا على أنها تمور إسرائيلية. وفي الأسبوع الماضي صرح أمير منطقة القصيم أن التمور السعودية تباع بأسعار زهيدة لبعض تجار الدول المجاورة الذين يعيدون بيعها بأسعار باهظة الثمن إلى العديد من الدول، واصفا ذلك بالفساد التجاري والقرصنة على المنتجات السعودية.
شركة أكريسكو التي تمتلك إسرائيل 50% من أسهمها، تعد من أكثر الشركات التي تمارس سرقة التمور السعودية، وتعيد تعبئتها في عبوات تحمل اسم بات شافا، وهو الاسم العبري لمنطقة بئر سبع، لتقوم بعد ذلك بإعادة تسويقها في مختلف دول العالم على أنها تمور إسرائيلية بهدف تعزيز اسمها التجاري دوليا، خاصة أن التمور السعودية تعتبر من أفضل أنواع التمور في العالم.
طبقا لأحكام وقواعد منظمة التجارة العالمية، تعد هذه الظاهرة سرقة في وضح النهار، وتمنحنا الحق المطلق لمقاضاة إسرائيل في هيئة حسم المنازعات التجارية بالمنظمة، لمعاقبتها على سرقة منتجاتنا الزراعية والحصول على حقوقنا المشروعة طبقا للاتفاقيات الدولية المبرمة والنافذة، والتي من أهمها اتفاقية المؤشرات الجغرافية.
فمنذ إنشاء المنظمة في عام 1995، أنصفت هذه الاتفاقية العديد من منتجات دول العالم المشهورة بمؤشراتها الجغرافية، مثل مانجو الفونس الهندية، والأرز البسمتي الباكستاني، والشاي السيلاني السيريلانكي، وأجبان برامجيان الإيطالية، وبُن سانتوس البرازيلي، وصوف كشمير الإنجليزي.
وتشمل أحكام هذه الاتفاقية ثلاثة عناصر، يختص أولها بقواعد حماية المؤشر الجغرافي المحددة في أنظمة الدولة، بينما يغطي العنصر الثاني حماية المؤشر الجغرافي من خلال تسجيل علاماته التجارية، ويتضمن العنصر الثالث جميع الأسماء والعناوين الخاصة بحماية المؤشر الجغرافي الناتج عن موقعه المحدد، مثل أسماء وأنواع وأماكن إنتاج تمور القصيم والمدينة المنورة والأحساء وغيرها. كما حددت المواد 22-24 في الاتفاقية النصوص القانونية الملزمة لحماية المؤشرات الجغرافية التي تنشأ نتيجة نَسَب المنتج أو نوعيته أو شهرته أو خاصيته. لذا لا يجوز لأي دولة عضو في المنظمة التعدي على منتجات الدول الأخرى أو اسمها أو منشأها أو علاماتها التجارية.
في فبراير الماضي أطلقت وزارة التجارة والصناعة السعودية على موقعها الإلكتروني مشروع نظام المؤشرات الجغرافية المقترح تطبيقه بالمملكة، حيث أوضحت المادة الأولى منه صفة المؤشر الجغرافي على أنه: مؤشر يحدد منشأ سلعة ما في المملكة أو في دولة عضو في منظمة التجارة العالمية أو دولة تعامل المملكة بالمثل، أو في منطقة أو موقع منها، متى كانت النوعية أو الشهرة أو السمات الأخرى لهذه السلعة تعود بصورة أساسية إلى منشئها الجغرافي، ويدخل في تحديد هذا المؤشر العوامل الطبيعية والبشرية أو أيهما.
كما حددت المادة الخامسة طرق تسجيل المؤشر الجغرافي لواحد أو أكثر من منتجي السلعة في المنطقة التي يحدد المؤشر الجغرافي منشأها، متضمنا اسم المنتج، ووصف طريقة إنتاجه، مع بيان خصائصه ونوعيته والعناصر الداخلة في إنتاجه، واسم المنطقة الجغرافية لإنتاجه، والعوامل التي تحدد منشأه في منطقة الإنتاج.
وفي نوفمبر من العام الماضي، عقدت الوزارة في مدينة الرياض ورشة عمل عن المؤشرات الجغرافية، تم خلالها التعريف بأهمية حماية هذه المؤشرات، لأنها تعد من كنوز الدولة التي وهبها الله لها في أراضيها، أو أسهم مواطنوها بشهرتها بسبب قدراتهم ومواهبهم الإبداعية، لتكون ذات قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني.
لذا فإن حماية تمورنا الوطنية التي تشتهر بمؤشراتها الجغرافية ولها ارتباط وثيق بأماكن إنتاجها، واجب وطني وحق مشروع لمنع استغلال الأشخاص وسرقة الجهات لمنتجاتنا، أو تقليدها بطريقة تؤدي إلى تضليل المستهلكين حول المصدر الحقيقي لهذه السلع، أو تضر بأصحاب الحق في إنتاجها.
طبقا لأحدث تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن عدد أشجار النخيل بالمملكة بلغ 24 مليون نخلة، يتخطى إنتاجها السنوي من التمور حاجز 1.3 مليون طن، وهو ما يعادل 16.48% من إجمالي الإنتاج العالمي من التمور. كما أوضح التقرير أن من أصل 600 صنف عالمي من التمور يتمركز 400 منها في الدول العربية، بينما تصل أنواعها المميزة في المملكة إلى 35 نوعا رئيسيا، تبلغ عائداتها السنوية 6 مليارات ريال، لتشكل 16% من قيمة الإنتاج الزراعي المحلي.
وتصل المساحة المزروعة بالنخيل في السعودية إلى حوالي 151 ألف هكتار، تمثل 13% من إجمالي المساحة الزراعية ونحو 72% من إجمالي المحاصيل الدائمة. ويتم استهلاك أكثر من 85% من هذا الإنتاج داخل الأسواق السعودية، فيما لا تزيد الصادرات على 15% فقط من الإنتاج. كما يوجد في المملكة 54 مصنعا متخصصا تستوعب 70 ألف طن من التمور، وتعادل 8% فقط من الإنتاج المحلي. ونظرا لانخفاض معدل أسعار التمور السعودية في الأسواق العالمية إلى 1600 دولار للطن الواحد، مقارنة بمعدل أسعار التمور الأميركية والإسرائيلية التي تزيد على 4000 دولار للطن الواحد، فإن هذا التباين الشاسع يشجع إسرائيل على سرقة تمورنا السعودية لبيعها في الأسواق العالمية على أنها تمور إسرائيلية لاكتساب الشهرة وكسب المال.
عضوية المملكة في منظمة التجارة العالمية منحتنا الفرصة الثمينة لتسجيل منتجاتنا، مثل سكري القصيم وعجوة المدينة وخلاص الأحساء ومياه زمزم والورد الطائفي، تحت الغطاء القانوني لأحكام اتفاقية المؤشرات الجغرافية وحمايتها من السرقة والتقليد ومنع العبث بحقوق ملكيتها، ومقاضاة كل من يمارس سرقة منتجاتنا الوطنية.