أدراج السعوديين مليئة بالأوراق والوثائق، ما مرّ بهم، وما يعيشونه به ألف حكاية وحكاية. الشباب ومنذ أحد عشر عاما تقريبا كانوا أكثر جرأة في إخراج بعض أوراقهم، ما صدر في مجال واحد، كالرواية مثلا، في هذا الزمن القصير قد يعادل وربما يكون ضعف ما أنتجه سابقوهم طيلة نصف قرن وأكثر، والحديث هنا عن الجرأة فقط، ساعدهم تحول الزمن، وأنهم وجدوا فضاء أكثر رحابة للتعبير، من المنتديات للمدونات وصولا إلى مواقع التواصل. باختصار؛ أسعفتهم حركة العالم التقني الحديث، فكانوا أقل خوفا وترددا. الشباب لم يكن بإمكانهم الخروج لتجمعات عامة فخرجوا في الكتب، لقد كان ما حدث ولا يزال يحدث، مظاهرة أو لنقل؛ حالة احتجاج بشكل ما، إنما على صفحات كتبهم.
مطلع هذه السنة 2015 صدر عن دار طوى، كتاب حكاية التدين السعودي في 256 صفحة، لمؤلفه وحيد الغامدي، ومفردة حكاية في العنوان تظلم الكتاب؛ لأنه مبحث جاد ورصين، وعمل جريء، غني بالمعلومة والرصد التاريخي والتحليل والتناول الموضوعي، كل هذا يأتي في سياق المحاولة لفهم ما سماه المؤلف، بوصفه نتيجة وظاهرة، بـالتدين السعودي، بدءا من جذور فهم العقيدة السلفية وما آلت إليه في شكلها المحلي قبل وأثناء وبعد قيام الدولة، ثم عهدي الصحوة (حركة جهيمان، ثم الإخوان والسرورية، وتيارات على هامشها)، مرورا بتطبيقات التدين في القضاء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات، وانتهاء بحوارات أجراها المؤلف مع شخصيات عامة، كانت لها صداماتها مع هذه التركيبة من التدين أو جزء منها، مثل الباحث حسن فرحان المالكي، والباحث محمد علي المحمود، والكاتب محمد السحيمي، والكاتب محمد حمزة، وختم أخيرا بحوارات أخرى مع بعض الأسماء المستعارة، الموجودة في الإنترنت، وقدمت شهاداتها بوصفها شخصيات خارجة تماما عن الدين. في الصفحة الـ107 كتب وحيد: انتهت أحداث الحرم، إلا أن ما بدأ للتو هو أنه خلا الجو لجماعة الإخوان المسلمين، وربما لجأ السياسي إلى تمكين هذه الجماعة، كونها أقدر على ضبط كوادرها الشبابية في المراكز الصيفية والمخيمات التي كانت تقام بإشراف حكومي، والذين سيصفون مرحلتهم بذكاء واضح بمرحلة الصحوة الدينية، ولن يكونوا بحاجة إلى استحضار المسمى التقليدي (الإخوان المسلمون) في بلد لا يحتمل هذا التحزب، وإزاء هيئة علماء رسمية تحمل عليهم المآخذ التي تحملها السلفية على الإخوان، فاستبدل المسمى الحركي بشعار لا غبار عليه، معنويا وسياسيا وعقديا واجتماعيا.. أي الصحوة. أخيرا؛ الكتاب مهم.