علينا البدء جديا في دراسة تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دولنا الخليجية، لأنها تحقق تكافؤ الفرص بين مختلف المنتجات والخدمات الخاضعة لها، وتساعد على توسيع قاعدتها لتحقيق العدالة الاجتماعية في أسواقنا
بعد تأكيد كافة التقارير الدولية الصادرة خلال العام الجاري بأن دولنا الخليجية قد تواجه تراجعا كبيرا في عوائدها بحوالي 300 مليار دولار سنويا نتيجة انخفاض أسعار النفط بنسبة فاقت 60%، تزداد وتيرة توصيات الخبراء بضرورة دراسة البدائل المتاحة لزيادة عوائدنا، ومنها إمكانية فرض ضريبة القيمة المضافة، خاصة وأن دولنا الخليجية تعتبر من أقل دول العالم في معدلات الضرائب المفروضة.
في تقرير الأنظمة الضريبية المفروضة في 185 دولة حول العالم، والصادر خلال العام الماضي عن البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية، جاءت دولة الإمارات في المرتبة الأولى كأقل دول العالم فرضاً للضريبة، تلتها قطر ثم السعودية، بينما حلت البحرين في المرتبة السابعة، وعُمان في المركز العاشر، ثم الكويت في المرتبة الحادية عشرة عالميا.
وبينما جاءت الدول الفقيرة كأكثر الدول فرضا للضرائب، احتلت الدول الغنية المراتب الأولى في نسبة عوائد الضرائب إلى ناتجها المحلي الإجمالي، لتصل إلى 46.8% في الدنمارك، و47.9% في السويد، و46.8% في بلجيكا، و43.6% في فنلندا، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 15.5% في مصر و7.7% في الجزائر و4.8% في البحرين و1.3% في الكويت. ورغما عن أن ضريبة القيمة المضافة تعد اليوم جزءا لا يتجزأ من مجموع الضرائب التي فاق عددها 16 نوعا، إلا أنها أحدثها تطبيقا حيث بدأ فرضها في عام 1954 نتيجة توصية الأخصائي الفرنسي موريس لوريه. واليوم تتسارع 140 دولة حول العالم لإحلالها محل ضريبة المبيعات، ما أدى لزيادة عائداتها إلى 20% من إجمالي العوائد الضريبية في كافة أرجاء المعمورة، وارتفاع دخلها إلى 5% من الناتج العالمي الإجمالي.
ونظراً لأن أحكام ضريبة القيمة المضافة تخضع للاتفاقات الدولية ومبادئ المعاملة الوطنية وحق الدولة الأولى بالرعاية، فلقد تزايدت أهميتها في النظام العالمي الجديد لتزايد دورها في تحقيق أهداف الدولة المالية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية، ولضخامة آثارها على مختلف مستويات القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية والتوزيعية. ولكونها من أقل الضرائب ضرراً على النمو الاقتصادي، فإن هذه الضريبة ستلاقي نجاحا في الدول الخليجية لثبات مردودها وعدم تغيرها بتغير دخل الفرد أو ثروته. كما أن إمكانية استيفائها بنسب متفاوتة في كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية، بدءا من الإنتاج ومرورا بالتوزيع وانتهاء بالاستهلاك، يجعل منها ضريبة مركبة غير مباشرة، ليتم تطبيقها على جميع المواطنين والوافدين بعدالة ومرونة ودون تمييز. هذا بالإضافة إلى إمكانية فرضها بنسب تنازلية على ذوي الدخل المحدود، مع إعفاء المنتجات والخدمات الضرورية مثل الغذاء والدواء والأنشطة الطبية.
ونظراً لحيادية هذه الضريبة وعدم ازدواجيتها، فإن فرضها في كل دولة خليجية على حدة سيكون تراكميا وشاملا وبمعدل واحد في مختلف أرجاء الدولة، لتؤمن إيرادا ثابتا ومنتظما. كما تتيح هذه الضريبة للدولة أن تتدخل بحسم قيمتها أو تخفيضها على المستثمرين لتحفيز الاستثمار وجذب رؤوس أموالهم، ما يؤدي إلى تخفيض تكاليفهم وزيادة السيولة لمشاريعهم، إضافة إلى تشجيع صادراتهم بفضل إمكانية استعادتهم للضريبة المدفوعة لدى تصدير منتجاتهم وخدماتهم.
وخلافا للرأي الشائع، فإن عبء ضريبة القيمة المضافة لا يقع على المستهلك فقط، بل يتحمل البائع جزءا منه، مما يضاعف فوائدها في الدول الخليجية لتكون ضريبة على الاستهلاك فقط، فيصبح أثرها إيجابيا على تخفيف الهدر وترشيد الاستهلاك وعدم تشويه الإنتاج.
كما لا يتعارض فرض هذه الضريبة، بنسب مختلفة ومتفاوتة في الدول الأعضاء بالأسواق المشتركة أو اتفاقات التجارة الحرة، وذلك لأن أحكامها تعود أصلا لفرضها على فارق السعر بين سعر الإنتاج وقيمة البيع في كل دولة على حدة. لذا نجح الاتحاد الأوروبي في تطبيق هذه الضريبة بنسب متفاوتة بين 27 دولة في الاتحاد، أقلها في قبرص ولوكسمبورج بنسبة 15%، وأعلاها في السويد والدنمارك بنسبة 25%.
وعلماً بأن ضريبة القيمة المضافة تشمل جميع الدول الأوروبية وكندا وأميركا الجنوبية ومعظم الدول الآسيوية ونصف الدول الأفريقية، إلا أن الدول العربية التي تطبقها لا تزيد عن أربعة دول فقط، وهي الجزائر والمغرب وتونس ومصر. وتعد أميركا الشمالية والهند من أبرز الدول التي لا تطبقها، وذلك لصعوبة فرضها بطريقة مركبة في هاتين الدولتين بسبب نظامهما الفيدرالي. كما يشكل فرض ضريبة القيمة المضافة على التجارة الإلكترونية عقبة أمام المنظمات الدولية، لعدم قدرتها على تحديد السلطات المختصة بفرضها، وصعوبة توثيق منشأ المنتجات أو الخدمات التي تخضع لها، أو تلك التي ستثتثنى منها لدى تصديرها.
ومع ذلك فإن هذه الضريبة من مصلحة الدول الخليجية لأنها تفرض بالتساوي على المنتجات والخدمات التي يستهلكها الأفراد على مختلف مستوياتهم. كما أنها ضريبة غير مباشرة لأنها لا تجبى مباشرة من المستهلك، بل تستوفى من المؤسسات التي تبيع المنتجات والخدمات في كل مرحلة من مراحل التصنيع والتوزيع والاستهلاك. وهي ضريبة حيادية، فلا تؤثر سلباً على هيكلة الأسعار ولا تمس القواعد التنافسية التي تراعي الاقتصاد المحلي في الدول الخليجية، بل تشمل مبدأ تخفيض الضريبة وحسمها أو إعادتها، مما يساعد على عدم تراكم عبئها الضريبي.
لذا علينا البدء جديا في دراسة تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دولنا الخليجية، لأنها تحقق تكافؤ الفرص بين مختلف المنتجات والخدمات الخاضعة لها، وتساعد على توسيع قاعدتها لتحقيق العدالة الاجتماعية في أسواقنا، إلى جانب قدرتها على تأمين الموارد المالية اللازمة لتخفيض عجز ميزانياتنا الخليجية.