إصلاحات العبادي هي ذاتها إصلاحات المالكي التي تغنى بها طوال فترة حكمه للعراق، وتدخلات رجال الدين 'الشيعة' على خط السياسة في عهد العبادي هي ذاتها في عهد المالكي، وكأنما التاريخ يعيد نفسه

من يقرأ زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لطهران مؤخرا من باب البروتوكول، أو توطيد العلاقات الموطدة في الأساس فهو واهم. هي بالمعنى الواضح زيارة حشد دعم، وفي رواية استجداء.
تكالبت في رؤية نوري المالكي الأطراف التي تسعى لوضعه في قفص الاتهام بتهم أقلها: سقوط الموصل في يد داعش. هذه أقل مصائب حقبة المالكي السوداء. ذهب الرجل للقاء الإدارة في طهران؛ عاد منتشيا، واستقبل في بيان صارخ يؤيده من حزب الدعوة الذي يتزعمه في البرلمان العراقي ضد المطالبين بمحاسبته عن إهدار المال العام العراقي، ناهيك عن تفشي الفساد، واستشراء الطائفية؛ وغض الطرف عن المتطرفين. هذه جريمة بحد ذاتها وخيانة عظمى.
قبل عودته بساعات دخل المرجع الشيعي السيستاني على خط السياسة مطالبا بما سماه إصلاحات أقلها محاسبة نوري المالكي إن افترضنا جدية الدعوة. لكن في المقابل هناك من يقرأ دخول المرجع السيستاني على الخط؛ على أنه نابع من إيمان تام أن الرجل -أي المالكي- لا يزال هو من يدير البلاد، وأن العبادي رئيس الوزراء الحالي مجرد دمية، تدار تارة من المالكي، وتارة أخرى من طهران، وأن الدعوة تلك لا تتجاوز كونها محاولة جر الشارع العراقي -لا سيما السني- للهدوء.
أنا قد أتفق مع ذلك لدلائل عدة: أبرزها أن تحرك الأطراف العراقية -كالسيستاني مثلا- جاء بعد أن اشتعل الشارع السني، وهي ذات التجربة التي أطاحت بالمالكي من السلطة (حتى إن عاد من وراء ستار) وأن دخول هذا الزعيم لا يكون إلا في اللحظات الأخيرة، للمكانة التي يحظى بها، وهذا نابع من استشعار انقياد العراق إما للتقسيم؛ أو لتوغل تنظيم الدولة، والأهم إنقاذ المالكي -ساعي بريد الملالي في العراق- من حبل المشنقة في حال تم إصلاح القضاء وبات قضاء دولة لا قضاء طائفيا صرفا.
إصلاحات عهد العبادي هي ذاتها إصلاحات المالكي التي تغنى بها طوال فترة حكمة للعراق، بصرف النظر عن كونه قائدا بـالوكالة من قبل المرشد الإيراني أو كونه قائدا حرا، وتدخلات رجال الدين الشيعة على خط السياسة في عهد العبادي هي ذاتها في عهد المالكي، وكأنما التاريخ يعيد نفسه، لكن بلا إصلاحات.
مشكلة العراق تكمن في أمور مختصرة: أهمها ربط سياستها بالتبعية الدينية، وبالأصح بالمذهب الأكثر نفوذا -وهنا الحديث عن المكون الشيعي- وذلك يفرض محاصصة دينية لا سياسية، هذه المحاصصة لا يفترض أن تكون أساسا للحياة السياسية في العراق، لأنها مكمن الخطر.