لا يعلم المتخصصون دليلا من القرآن أو السنة يدل على تحديد المهور، ولا توجد أية نقول عن أهل العلم تدل على ذلك، وقصة سيدنا عمر بن الخطاب في رجوعه عن التحديد صحيحة ومعلومة

الناس كعادتهم في أي محاولة لتنظيم أمر معاشي؛ يوافق أقوام، ويتحفظ آخرون، ولأن الناس مفطورون على حب الدين، فإن الحديث دوما لن يخلو من إصدار حـكم شـرعي، يتفوه به المؤهل وغيره.
هنا وفي حدود المساحة المتاحة، سأمر مرورا تخصصيا على مسألة تحديد المهور، منهيا بخلاصة سريعة؛ وكبداية أقول: لا يعلم المتخصصون دليلا من القرآن أو السنة يدل على تحديد المهور، ولا توجد أي نقول عن أهل العلم تدل على ذلك، وقصة سيدنا عمر بن الخطاب في رجوعه عن التحديد صحيحة ومعلومة.
من أهم بحوث اللجنة الدائمة لهيئة كبار العلماء -في 1397- بحثٌ عن تحديد المهور، وفيه جرى ذكر الفرق بين تحديد أسعار الأعيان والمنافع، وتحديد المهور؛ الأول يمكن ضبطه، أما الثاني فلا؛ لأن العادات في إظهار الاهتمام مختلفة والرغبات لها مراتب متفاوتة، وظروف الناس وأمكنتهم وقدراتهم تختلف.. البحث لم يغفل ذكر مبررات تحديد المهور، ومضار عدمه، وخُتم البحث بأنه قد يقال إن تحديد المهور ليس بعلاج عملي ناجح في دفع مغالاة الناس فيها لأمور تم سردها، وقد يقال إن العلاج ممكن بدون تحديد، وذلك بتوعية الناس، وترغيبهم في الاصطلاح بينهم على مهر معين يتفق عليه أهل كل بلد أو كل قبيلة، وبمنع الناس من الإسراف في مراسم الزواج، وبالتطبيق العملي من الطبقة الواعية من الناس بأن يزوجوا مولياتهم من الأكفياء بما تيسر.
البحث الرصين اعتمدت عليه هيئة كبار العلماء في قرارها رقم: 52، وتاريخ: 4 /4 /1397، المتعلق بمعالجة قضية تحديد المهور، وبعد استعراض لبعض ما ورد في الحث على تخفيف المهور والاعتدال في النفقات والبعد عن الإسراف والتبذير، ذُكرت في آخر القرار مجموعة من طرق المعالجة، ومن أهمها: يرى المجلس الحث على تقليل المهور، والترغيب في ذلك على منابر المساجد وفي وسائل الإعلام، وذكر الأمثلة التي تكون قدوة في تسهيل الزواج إذا وجد من الناس من يرد بعض ما يدفع إليه من مهر، أو اقتصر على حفلة متواضعة لما في القدوة من التأثير.
بعد هذا الاستعراض السريع، أضيف على ما لم يذكر في البحث أن أئمة المذاهب المعتمدة -رحمهم الله- لهم في مسألة المهر آراء مختلفة؛ فلا حد لأكثره عند الإمامين أبي حنيفة، ومالك، وأقله لهما فيه تحديد مذكور، أما الإمام الشافعي فلا حد عنده لأكثره أو أقله، والمهر في مذهب الإمام أحمد غير مقدر.. نصوص الأئمة الأربعة تدعم البحث في مسألة عدم التحديد، إلا أن عدم ذلك لا يعني  -بأي حال- المغالاة في المهور، لما في ذلك من الأضرار الكثيرة، والتي قد تفوق الفوائد، لا سيما أن أمر التحديد -وكما قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله- : فيه صعوبة، وليس له أصل شرعي معروف يعتمد عليه، حتى تقوم الدولة به، وحتى تعاقب من خالفه.. ومن الله التوفيق.