حسنا فعل وزير الخارجية عادل الجبير حين أكد من موسكو وفي حضور وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، تمسك المملكة برحيل بشار الأسد من المشهد السوري كخطوة لا بد منها كي يتمكن الأشقاء السوريون من إعادة بناء بلدهم، على أسس الحرية والكرامة والاستقلال.
لم يترك الجبير فرصة للتخمين أو الاستنتاج، إذ قال بوضوح ألا مكان للأسد في مستقبل سورية، مشددا على أن موقف المملكة لم يتغير رغم مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة الشعبية ضد النظام البعثي الذي احتمى في مواجهة شعبه بانتمائه الطائفي، ثم بتقاطعه المصلحي مع بعض القوى الإقليمية الساعية إلى فرض نفوذها في المنطقة، بصرف النظر عن الأرواح التي تهدرها في سبيل ذلك.
لقد أنهت تصريحات الجبير حالة التشويش التي سادت السياسة الإقليمية خلال الفترة الماضية جراء التطور الذي لحق بالملف النووي الإيراني وكان من تداعياته التقارب المتنامي بين طهران وواشنطن. كما أنها قطعت الطريق على مزاعم أطلقها منتفعون ببقاء الأسد عن وجود تغيير في السياسة السعودية، والأهم أنه رد على الذين توهموا بوجود مقايضة بين التقدم السعودي على الجبهة اليمنية وتحريك ملف التسوية السلمية في سورية.
من جهة ثانية، أظهرت تصريحات الجبير التي تضمنت تمييزاً ناضجاً بين بشار ورجاله من جهة ومؤسسات الدولة السورية من الجهة الثانية، أن السعودية تتحسب من الحلول غير العقلانية وتعمل على التصدي لها مبكراً، بدليل أنها تدافع عن بقاء هذه المؤسسات، عارفة أن ذلك من شأنه أن يحمي السوريين مستقبلا من الوقوع في الفخ الطائفي الذي انزلقت إليه العراق، نتيجة إصرار الولايات المتحدة وبتشجيع من أتباعها على ربط إزاحة صدام حسين بالتخلص من كامل ميراث الدولة العراقية، ما أدى في نهاية المطاف إلى صراع طائفي وعرقي يدفع الأبرياء في كامل المنطقة ثمنه كل يوم.
كذلك أكدت تصريحات الجبير أن المملكة، وعلى الرغم من إصرار الأسد وحلفائه على إفشال كل الحلول السلمية التي لاحت في الأفق خلال الفترة الماضية، لم تزل حريصة على دعم كل تسوية سلمية تضمن لجميع السوريين تعايشاً خاليا من القهر والاستبداد، في حين أن الأسد والذين معه يتمسكون بالسلطة حتى لو كان ثمنها تشريد قطاع من الشعب والقضاء على القطاع الآخر، فضلا عن إهدار موارد سورية ومحو تراثها وتاريخها، بل وقدرتها على الحياة.
بالمثل، عززت هذه التصريحات مكانة السعودية في الشارعين العربي والإسلامي، كونها حملت رسالة واضحة وقاطعة للجميع بأن المملكة ستبقى مع الشعب السوري في معركته النبيلة حتى يحقق الأهداف التي ثار من أجلها، وأولها إسقاط الأسد ومحاسبته على جرائمه، مهما كلفها ذلك من أعباء مالية وسياسية، مستندة في ذلك كله إلى ما يتوافر للمملكة من دعم شعبي يتجلى بأشكال عديدة، أبرزها المؤازرة الدائمة للأشقاء السوريين سواء أكانوا من المقيمين في المملكة ومناطق اللجوء أو داخل بلدهم المعذب ببقاء بشار ونظامه.