أبها: الوطن

كشف الباحث أنـور محمد آل خليل ملامح من اهتمام الملك عبدالعزيز ـطيب الله ثراه- بتوثيق حركة الحجيج في المشاعر المقدسة منذ 80 عاما، وذلك من خلال فيلمين عربيين أنتجتهما مؤسستان مختلفتان بدعم كبير منه، رحمه الله. وقال آل خليل لـالوطن: أول ما يتبادر لذهن الإنسان السعودي اليوم هو اعتزازه بما حققته دولته من مشاريع عملاقة في المشاعر المقدسة بصفة عامة وفي الحرم المكي الشريف بصفة خاصة، ويتضاعف فضل الله على عباده في كل وقت وحين، ومع كل لمحة بصر يطلقها الإنسان.. ولعل من أهم ما أفاء الله به على خلقه في هذا البلد من نعيم، هما نعمتا الأمن والرخاء.

قصص من الذاكرة

وأضاف: في خضم معطيات العصر الحديث قد لا تعي الأجيال كم المشاق الذي كان يعانيها أسلافهم في الحج خاصة، وفي حياتهم بشكل عام. ولا تزال الذاكرة تموج بعشرات القصص التي رواها لنا في طفولتنا عدد من كبار السن، والتي يخلص الإنسان منها إلى أن الحج في أزمنتهم كان مغامرة بكل ما تعنيه الكلمة. لكني سأنصرف هنا عن سرد روايات الطفولة، وأكتفي بأن آخذ ملامح مما رواه زوار وحجاج مكة المكرمة، بكاميراتهم ورسوماتهم ومذكراتهم.. لنرسم صورة ذهنية لحال البلد الحرام قبل انطلاقة التوسعات السعودية للمشاعر المقدسة، ليس المهم مشاهدة الواقع المعاش الباهر بكل منجزاته، والذي قد يعتقد البعض بأن هذا الواقع الإنشائي والخدمي هو أزلي التكوين. بل الأهم هو مقارنة هذا الواقع بما كان عليه الحال قبل نصف قرن ونيف من عمر الزمن.
فبنظرة سريعة لما روته لنا الوثائق السينمائية البصرية في فيلمين مصورين لمناسك الحج في عامي 1936 و1947، قامت الشركة المصرية للتمثيل والسينما بإنتاج الفيلم الأول، بينما قامت جريدة الأنباء الفرنسية بتصوير الفيلم الثاني.. بفارق زمني بينهما يقدر بنحو عقد من الزمن.. حيث يروي هذان الفيلمان وسواهما من مذكرات الرحالة وكتب التاريخ، صورا لا يمكن تصديق مشاهدها التي تتسم بالقسوة والمشقة التي يتكبدها الحجاج سواء من حجاج الداخل أو الخارج، قياسا بما هو عليه حال الحج والحرم المكي الآن.
                           
أسراب الحمام الأبيض
قال آل خليل: يسري ضوء الفيلم الشيق من حرم الله الآمن.. فيظهر سير المؤمنين على الأقدام في أسراب روحانية كأسراب الحمام الأبيض.. وهناك منهم ركبان أكثر يسرة في الحال ووفرة في المال، يمتطون ظهور الإبل في قوافل قد يصل طول القافلة منها إلى نصف الكيلومتر أو يزيد..! تعلو بعضها هوادج تتمايل على ظهور الجِمال بالمؤمنات الخاشعات الملبيات، بينما تعبر بين المشاعر ومكة قلة قليلة من السيارات منها ما يشبه النقل العام، ومنها سيارات رسمية تعود للجهات الخدمية في موسم الحج.. والطرق جميعها ترابية ممهدة إلا ما ندر.

مشاهد تتحدث عن نفسها
وتابع: لقد ترك مخرج الفيلم معظم مشاهد الفيلم تتحدث عن نفسها دون تعليق.. ما سمح للمتلقي بأن يعمر ذهنه ويعايش الحدث بتتبع أكثر تركيزا.. وفي ذلك الموسم الذي قاد الحجيج فيه كعادته الملك عبدالعزيز، شهد الحج معه عدد من الشخصيات الإسلامية ورؤساء بعثات الحج.. يتقدمهم حاكم البحرين، وقد شهدوا جميعهم مع الملك في ثاني أيام التشريق استعراضا كبيرا في منى لموسيقا الجيش وبعض الفرق الشعبية، تحية للملك وضيوفه وابتهاجا بنجاح موسم الحج.. وفي اعتقادي أن مثل هذه الاحتفالية كانت بروتوكولا متبعا في الحج إلى عقود قريبة.   تتوالى المشاهد المصورة ودوران الكاميرا فترصد في الطرقات المجاورة للحرم.

توسعات سعودية بعد توقف 391 عاما
يكمل آل خليل: من الناحية الإنشائية فقد كانت آخر توسعة مساحية شهدها الحرم المكي في عهد المقتدر بالله ثم تلاها أعمار وترميم قام بهما عبر التاريخ أمراء وسلاطين، لكنها عمارة بلا زيادة ولا توسعة لمساحة المسجد الحرام، حتى إن صحن المطاف الذي ينعم فيه الطائف اليوم وهو في شدة حرارة الصيف ببرودة الرخام تحت قدميه الحافيتين.. ما كان في ذلك الوقت غير مطاف فرشت أرضيته بحصوات لتمنع تطاير الغبار، وكان آخر هذا العمار المتلاحق الذي أشرنا إليه آنفا في عام 984 هـ. وهذا يعني أن المسجد الحرام ظل لـ391 سنة على حاله دون توسعة أو تحديث، حتى أجريت في عهد الملك سعود أول توسعة سعودية حديثة للحرم المكي عام 1375. 
وعند انطلاقة التوسعة السعودية لم يكن حال الحرم يسر بحسب مشاهدتي للفيلمين سابقي الذكر، فالمباني زحفت على الحرم حتى اتصلت به، وكذلك كان حال المسعى، فقد فصلت المباني الخاصة بينه وبين المسجد الحرام، فأصبح المسعى على مر العصور عبارة عن طريق ضيق، قامت على جوانبه المحال التجارية والأسواق، ما كان يشكل صعوبات على الساعي في المسعى وحركة الأسواق من حوله تشتت ذهنه وتفقده تركيزه وتعدمه خاصية الطمأنينة التي يتوق لها في عبادته!

من كلمة الملك عبدالعزيز

 أدعو المسلمين عامة في تفهم حقيقة الدعوة المحمدية والتمسك بها، وقد جاء نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
 إذا كنا نريد اجتماع كلمتنا وشؤوننا، وحفظ جامعتنا فليس لنا جامعة نجتمع عليها إلا جامعة الكتاب والسنة، فيجب علينا التفقه في كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، والاتفاق والاتحاد على ذلك.