ما الذي يحتاجه الشباب السعودي بين سن 15 و25 عاما، هل يحتاج إلى مزيد من الوعظ وتكديس المعلومات في رأسه حتى أصبح أشبه بـالهارد ديسك لا العقل البشري؟
في البدء لنعترف أن كثيرا من شبابنا أصبح يعبّر في معظمه عن بعض الصور المتناقضة.. إما اندفاع ديني رافض لكل ما هو جديد ومحارب لكل مخالف له، أو عبث وانفلات، يقلدون الغرب عبر أسوأ صورة، ولا ننكر أن هناك من هداهم الله بالعقل والحصافة وكانوا عنوانا للارتقاء، ونريد بل نتمنى مثل هؤلاء أكثر، إلا أن علينا أن نعترف أن السواد الأعظم ينتمي للمتناقضين الأولين، ونحن ما زلنا نتفرج على مأساتهم.
أصبحت هذه السن خطرة جدا ومن الصعب احتواؤها، فرأس أحدهم قد امتلأت وأصبحت قابلة للانفجار، امتلأت من شدة ما يجده من توجيهات وعظية إنشائية من البيت، المدرسة، التلفزيون، جهاز الكمبيوتر، الجوال، حتى جعله خارج إطار العقل ثم ارتقى إلى الانقياد ليتلقفه الانفلاتيون المحاربون لكل ما هو عقيدة ودين أو التفجيريون المتشددون كخام جاهز لأجل إراحته وإرساله إلى الدار الآخرة وفق ما يملؤونه به.
هذا الجيل الذي ما زال يرفع عقيرته بالشكوى معبرا عن معاناته وضيقه مما هو فيه يحتاج إلى أن نمد إليه أيدينا نعينه ونساعده، نمنع عنه يد التهديد والتقريض والوعيد، هو بحاجة إلى مفكرين خبراء في كل مناشط الحياة لإخراجه من أزمته، لا لزيادة ضيقه ولومه وتركه ضحية الأفاكين.
ما زلنا نتردد وندور في ذات الحلقة ولم نخرج منها، فتعليمنا لا يهمه الأمر، بقدر ما هو مشغول بتحديد الإجازات والاجتماعات والمباني والقضايا الجانبية التافهة، ومشايخنا يبحثون عن العدو ويكيلون له الدعاء بالموت والتدمير، وإعلامنا بين السلبية والتفاهة حتى بات خاملا عاجزا، والليبراليون يريدونها انفتاحا خانعا.. لذا ضاع شبابنا وضاع الفكر معهم.
نريد أن نقرأ حال هؤلاء الشباب ونعرف ما الذي يحتاجونه، ولأجلهم لا بأس إن غيرنا منهجية التعليم والخطاب الدارج، علينا أن لا نتجاهلهم، وأن لا نحذرهم من العدو ونحن لم نؤسس لديهم القدرة على كيفية التعامل مع هذا العدو ورفضه، علينا أن نعينهم ونساعدهم، لا أن نستمرئ التباكي على الشهداء بعيدا عن البحث عن الأساسات التي أدت لحدوث ذلك.
في هذه السن الحرجة شبابنا يريد الانطلاق يريد أن يقرر بنفسه، يؤسس لفكره، يدعم ذلك بالتسلية المباحة التي يحتاجها، وفي الأخيرة جردناه من كل ما يبهجه، لذا تركناه مشتتا يبحث عن من يملأ فراغاته النفسية، فصنعناه مُتلقيا، لا صاحب قرار، فضاع بين الممنوع والحرام وما يريده المجتمع، تركناه لبؤسه، وكأنه من كوكب آخر ويختلف عن شباب العالم، في ظل تناقضات مهينة أعيته.
نحن بحاجة إلى العمل أكثر مع شبابنا في هذه السن الحرجة فما يحتاجونه أكبر من مناهج تعليمية تلقينية وتعليمات مجتمعية صارمة، يريدون حياة أكثر اتساعا لأفكارهم ونتاجهم تساعدهم على تجاوز ورفض كل من يحاول أن يغرر بهم.. نحن هنا لا ندعو إلى مجتمع مثالي جدا، لكن نريدهم أكثر قدرة على الرقي بأنفسهم وصناعة مستقبلهم من خلال تغيير التعامل معهم مهنجا وفكرا وخطابا عاما.