حين نتابع عناوين الأخبار التي تتناول العنف وخاصة تلك التي تدور في فلك داعش وغيره من العصابات المسلحة، والتي استباحت كل شيء تحت شعارات مزيفة، نجد الثقوب فيها أكثر من الرقع، نجد أن الإعلام العربي والغربي وعلى تنوع وسائله المقروءة أو المسموعة أو المرئية، يتحدث وفي نفس الوقت لا يقول شيئا! عناوين تدخلنا إلى عالم من التحليلات الزائفة في وقت نحن في أمس الحاجة لتحريك العقل والمواجهة من أجل إيقاف الكم الهائل من النزيف في أمتنا.
الجوهر أو قلب المسألة الحقيقي، هو التعمد، حين التحدث عن هذه العصابات كأفراد أو مجاميع؛ والإناث منهم أيضا، على أنهم هم بحيث نخلق ذاك الفارق بأنهم ليسوا نحن، لنترك منهم من أتى من الغرب، لأنهم قضية ومشكلة مجتمعاتهم التي تتعامل معهم من نفس المنطلق: هم ونحن. وما أريد أن أوضحه هنا أنه إذا كان هم ليس نحن فكيف إذن نفسر أنهم من نفس الخلفية الثقافية والدينية والاجتماعية؟! ما الذي انتزعهم قصرا من بيننا وجعلهم يتخذون طريق الإرهاب؟ ما الذي دفعهم إلى اختيار حياة العنف؟ وإن كان ردة فعل، فهو ردة فعل على ماذا؟ ما الذي يجعل امرأة تخاطر بنفسها وبحياة أبنائها، وتنفر إلى حيث ستعامل على أنها متاع مؤقت إلى أن يذهب رجلها إلى الحوريات؟! كيف ترضى لنفسها الالتحاق بمجموعات معروف عنها الوحشية واللاإنسانية خاصة في التعامل مع النساء؟ كيف لامرأة حرة أن تختار أو تتقبل حياة الذل والقهر؟! هذا إن لم تتعرض للسبي من قبل مجموعات أخرى وتشترى وتباع؟! هذه ليست سوى أمثلة على أسئلة كثيرة كان من الواجب على الإعلام أن يواجهنا بها، أن يتحدى الفكر بداخلنا لنتحرك بفاعلية وإيجابية نحو بناء الحلول وإجراء التغييرات المناسبة للحيلولة دون تدفق المزيد منهم إلى الاتجاه المعاكس؛ بمعنى قنابل موقوتة موجهة نحونا... ونحن الأغلبية! هذا ما يجب أن نطالب به إعلامنا ولكننا للأسف لا نفعل لأننا لا نطالبه من أنفسنا أولا!
نتعرض لوابل من الأخبار كل صباح ومساء مصحوبة بصور ومقاطع مروعة وعناوين بخطوط عريضة تخدر العقول بدلا من أن تتحداها، تخدرها بعناوين تجعل من المشاهد مستهلكا للعنف كل ما يريده هو أن يسمع أو يقرأ أو يرى المزيد، وإن تحرك جل ما يفعله هو الشجب والاستنكار حتى أن البعض وصل لمرحلة من التجمد في المشاعر بأن يحول الأمر برمته إلى طرفة للتسلية! لا شيء جديد ولا شيء مفيد! والمخيف أننا نحن المستهلك، وأي مستهلك! ذلك المتعطش للمزيد مما يُقدم لنا من وحشية وهمجية، تحولنا إلى مستهلك نشط سلبياً؛ بما أننا نتابع إذاً نحن نؤيد، وبما أن هنالك مستهلكا إذن هنالك أرباح لجهة ما ترغب دائما بالمزيد!
إعلامنا العربي ليس إلا جزءا من الإعلام العالمي؛ ماكينة واحدة لمصنع متعدد الجنسيات، فهم ليسوا بأفضل مما عندنا، فهناك يقدمون المرأة العربية خاصة التي اختارت الحجاب الذي يغطيها كاملا بالأسود، على أنها ذليلة مهانة تتلقى بصمت وهي الضحية التي يجب إنقاذها، لقد رُبط في الأذهان الحجاب ولونه بالدين، بالعنف، بالهمجية والتخلف، وطبعا مع إضافة بعض الإيحاءات من مفاهيم قديمة للغرب عن الشرق وسحر الشرق، خاصة المتعلق بالمرأة وألف ليلة وليلة، فيشبعون بعناوينهم كل الرغبات المتنوعة للمشاهد المستهلك لديهم، لا أحتاج أن أعدد هنا فبمرور سريع على عناوين أشهر المؤسسات الإعلامية لديهم خاصة تلك التي تتناول المرأة العربية أو المرأة الإرهابية أو المرأة التي تعرضت للإرهاب، ستجد إيحاءات كالتي ذكرت وأكثر، ويتجاهلون النساء العربيات الفاعلات في مجتمعاتهن وفي جميع المجالات، والكثير منهن في الحجاب الذي من الواضح أنه لم يعطلهن ولم يؤثر على ذكائهن أو مكانتهن، ولكن هذا التجاهل ليس فقط لتغذية النظرة الدونية للمرأة العربية عامة، والإرهابية والتي تعرضت للإرهاب خاصة، بل أيضا من أجل تبرير كل إجراءات التدخل في شؤوننا.. الغرب التحرري التقدمي الذي يريد أن يحرر ويطور الشرق المتخلف، وعندها يتحرك الجهاز الدبلوماسي والسياسي ومن بعده العسكري، ولن يجد سوى مجتمع جاهز للتأييد والمساندة!
الإرهاب ليس فقط تفجيرا وذبحا وقتلا، والإرهاب ليس فكرا فقط، الإرهاب فكر ومسببات تسهم في تبني وتفعيل هذا الفكر، فكما يُدرس ويحلل هذا الفكر يجب أيضا أن تُدرس وتحلل الأسباب، إذن علينا كجهات بحثية رسمية وغير رسمية والتابعة للمؤسسات الإعلامية، أن نقوم بدراسات حول خروج الإرهابيين من بيننا، ولا نتحجج بشيوخ الصحوة فأمام كل واحد من هؤلاء الخوارج هنالك الآلاف الذين حضروا أو استمعوا أو شاهدوا تلك المحاضرات ولم يحملوا السلاح ويجنحوا إلى العنف والهمجية. أنا لا أتناول هنا قضية صواب أو أخطاء شيوخ الصحوة، ما أقوله إن هناك أسباب لم نتناولها في دراساتنا، إذن يجب البحث عنها ولو اضطررنا إلى البدء من جديد، لأنه من الواضح أن التوصيات لم تكن ناجحة في التوصل للحلول الجذرية، فمثلا بالنسبة للإرهابية، لا يستطيع أحد أن يقنعني بأن امرأة تعيش في كنف مقولة أنها الملكة المتوجة والجوهرة المكنونة وتحارب بشراسة كل من يتعدى على هذا المفهوم، أن تتخلى فجأة عن كل هذا النعيم الذي تؤمن به وتنطلق إلى عالم القتل والمجازر والهمجية! كيف تتنازل عن مُلكها لأخرى أو أخريات سوف يشاركنها رجلها، أقله كسبايا؟ كيف ترتضي الملكة أن تكون مشرفة على ماخور للسبايا؟!
لنسأل ونصر ونسأل، لنبحث ونصر ونبحث، فنحن المعنيون ونحن من يجب أن يجد الإجابات.