يقول حامد بن عقيل على غلاف دراسته الفكرية في رواية: الإرهابي20، لعبدالله ثابت: ما هي إلا محاولة لفهم الذهنية الاجتماعية التي يمكن أن تنشأ فيها الجماعات المتطرفة، وفهم الحالة النفسية لأفرادها، وكيف يمكن أن تكون عملية طويلة ومقصودة تشكلها تلك الجماعات....
وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن ذهنيتنا الاجتماعية الجمعية، وهل هي بيئة خصبة لنشوء الجماعات المتطرفة؟
يؤكد الأستاذ منير شحود في دراسته النفسية عن: التدين العصابي والتدين الراقي، على أن المشاعر الدينية العميقة هي إحدى العواطف النبيلة عند الإنسان، كالمحبة والتسامح والألفة، والتي تغتني بعضها من بعض، وتتناغم في تكوين سلوك الفرد وطبعه الخير؛ كنقيض للدوافع التدميرية.
وهذا يدفع إلى التساؤل عن أسباب انقلاب مشاعر التدين إلى الجهة المقابلة المناقضة تماما لخيرية الدين والمتدين؟
فكرت كثيرا في إجابتي السؤالين، وبعد أن أجبتُ بـنعم على السؤال الأول، وجدت للسؤال الثاني، إجابات مختلفة في ظاهرها، ومتفقة في حقيقتها على: أن تسييس الدين، وتحويله إلى أداة مصلحية دنيوية، سبب رئيس في انحراف المتدينين عن جوهر الدين الخير، إلى الشر المطلق، ممثلا بـ:القتل، والتفجير، والتدمير، والعدوانية وكل الأفعال التي لا تصدر إلا عن شخصية سيكوباتية عدائية تجد لذتها في تعذيب الآخرين واستعدائهم.
لكن، كيف أصبح مجتمعنا المتدين بالفطرة بيئة خصبة لنشوء الجماعات المتطرفة؟
الإجابة كامنة في الإجابة عن السؤال الثاني؛ إذ يقتضي تسييسُ الدين، وتحويله إلى أداة ابتزاز، خلقَ أعداء وهميين، ومن ثم تهييج مشاعر المجتمع المتدين ضدهم، ولهذا أساليب عدة، منها: تصنيف المجتمع فكريا، من مثل: جامية، ليبرالية، علمانية، حداثية.. إلخ، بحيث تصبح هذه الأصناف عدوا خطيرا تجب إزالته بأي وسيلة.
لا شعوريا، تصبح هذه الأصناف –عند العامة- سببا في كل المصائب المجتمعية/ الأممية، ويتحقق معها المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت؛ بمعنى أن تُسقط أخطاءُ تيار المصنف، على التيارات الأخرى، ولو لم تكن هذه التيارات موجودة إلا في عقول باذريها في أذهان الناس.
بعد تفجير مسجد طوارئ أبها، تجلت هذه الظاهرة بشكل فاضح ومؤلم، إذ ظهرت لقادة تسييس الدين تغريدات عجيبة، مؤداها أن الإرهاب ناجم عن الفكر الليبرالي البغيض! ولو قرأها شخص من الصين لتوهم أن الإرهابيين خريجو مخيمات دعوية ليبرالية! وهو لا يعلم أن الليبرالية غير موجودة إلا في ثنايا الخطاب المضاد، وأجزم أنه لا يوجد في المملكة ليبرالي واحد، فضلا عن أن الليبرالية ليست تنظيما.
وعلى الخط نفسه، ظهرت -للفئة نفسها- تغريدات تعيد أسباب الإرهاب إلى: تجفيف منابع الدعوة، والتضييق على الدعاة، وأقل ما يقال عن مثل هذه التغريدات المضللة: إنها ابتزاز سافر للسلطة والمجتمع، فالدعوة قائمة ومدعومة رسميا وشعبيا، ومناشطها هي الأبرز، وقد كذب من قال بغير هذا على نفسه، قبل أن يكذب على أتباعه المساكين.
أعرفتم الآن بعض الأسباب الحقيقية للإرهاب؟
أجزم أن المستقلين الموضوعيين عرفوها، أما الرقيق الفكري، فلن يعرفوا؛ لأنهم لم يعرفوا من قبل شيئا.