مهدلي عتين

علمت نفسي عدم اليأس مع الحياة، لا تيأس إذا تعثرت قدماك وسقطتَ في حفرة واسعة فسوف تخرج منها وأنت أكثر تماسكا وقوة، ولا تعتقد أن نهاية الأشياء هي نهاية العالم، فليس الكون هو ما ترى عيناك، بالتضحية والصبر سوف تنال الصعاب، بالتضحية لم تتردد هاجر رضي الله عنها في البقاء وحدها - وفي رقبتها رضيع ضعيف في صحراء مقفرة لا تعرف ما يحمل لها الغد، ولكنها توقن بمن يملك اليوم والغد فتقولها صادقة لزوجها إبراهيم -عليه السلام- بعد أن قال إن الله هو الذي أمر بهذا؛ إذن لن يضيعنا.
وبالتضحية المجدولة مع البر سلَّم إسماعيل -عليه السلام- رقبته لأبيه، ولم يوجل لحظة وهو يقترب من الموت، وتدنو منه سكين أبيه الذي اعتصر هو أيضا مشاعر أبوته، وضحى بها انصياعا لأمر الله. وحين تضافرت التضحية مع الحب وإيثار ما هو خير وأبقى تنازلت سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- لحقها في زوجها خير الخلق -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها-، فلم تمسك بتلابيب الدنيا، ولم ترغب إلا في وجه الله، ثم إدخال السرور على زوجها الحبيب بمنحه ما يحب حتى وإن كان ذلك على حساب فطرتها وحقها.
ولولا التضحية ومعها اليقين لما ترك أبو سلمة -رضي الله عنه- زوجته وهاجر وحده، ولما تحملت هي فراق صغيرها وعنت أهلها، استشرافا لما هو أبقى، وثقة في أن الله الذي آمنت به قادر على أن يلم الشمل، ويضمد الجرح.
فهيا نراجع أنفسنا ونفسح في بيوتنا مكانا أوسع للتضحية، ونسد السبل إلى هذه البيوت أمام الطمع والأنانية، وكل الأخلاقيات الرديئة التي فرت أمام زحفها إلى نفوسنا وبيوتنا البركة والمودة والسعادة، وأبى الحب والنجاح والاستقرار أن يسكنوا ديارا ضلت التضحية إليها الطريق. وليسأل كل من لم يذق لذة التضحية نفسه: هل هو سعيد حقا؟ ولا شك أنه إن لم يجمع إلى عدم التضحية الكذب وخداع النفس، فلن يجيب إلا بـلا مدوية صادقة، وأيضا مشبعة بالندم!