سلمنا أبناءنا لهم على طبق من ذهب.. حين غفلنا عنهم.. ودفعنا بهم دفعا؛ اعتقادا منا أن طريق المسجد والجامع -دون تمحيص أو تدقيق- هو طريق الخير.. ذهبوا وحيدين في ظل غياب الأب الصالح

بعد الخميس الأسود الدامي الذي حدث في منطقة عسير حيث طالت يد الغدر والإجرام مسجد قوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير؛ ما نتج عنه استشهاد عدد من الجنود البواسل، وبعد عدد من التفجيرات التي نالت أماكن العبادة في كل من مدينة القديح في منطقة القطيف ومسجد العنود في مدينة الدمام وقبلها تفجير الدالوة في منطقة الأحساء.
بعد كل هذا نستعجب أن يحدث هذا في بلد الإسلام.. وفيه الحرمان الشريفان في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة.. مهبط خاتمة الرسالات.. ومنبع الرسالة المحمدية.
يطفو على السطح كثير من علامات التعجب والاستغراب أهمها:
من أعداؤنا؟ ومن أولئك الذين نواجههم، ويقومون بتفجير أنفسهم حتى يقتلونا؟
إذا كان منفذو التفجيرات هم من أبناء هذا الوطن، عاشوا بيننا، سكنوا قريبا منا في ذات المدن والقرى والهجر، وتعلموا في مدارسنا ومع إخوتنا.. تلقوا ذات التعاليم من المناهج والحصص والبرامج.. صلوا في مساجدنا وجوامعنا.. أنصتوا إلى المشايخ من فوق المنابر، واستمعوا إلى ذات الخطب.. خالطونا في الأسواق.. حضروا معنا المناسبات والأعياد.. لهم أصدقاء من حولنا.. وأهلهم بيننا.. وأقاربهم وقبائلهم تنتمي إلى بلادنا.
ألم يؤمنوا بما قاله الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)؟ ألم يستوعبوا قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
لكن بعد رؤية صورهم.. ملابسهم.. قراءة أفكارهم من خلال حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو التي يتباهون بها في نقل صور ومشاهد لوحشيتهم، وبعد سلسلة الأفعال الشريرة التي يرتكبونها في بلاد الشام والعراق.. بعد مسلسل الرعب الذي أحدثوه في منطقة الخليج.. بعد جرائم الغدر والخيانة للأوطان والأهل.. بعد جروح أدموها.. وفرقة أحدثوها أيقنا أنهم لا يشبهوننا.. وأنهم ليسوا منا. إنهم يحملون أفكارا مسمومة.. قناعات مدمرة.. أفعالا مجرمة. لكنهم أبناؤنا الذين فروا منا وهربوا فكيف اختلفوا عنا؟ كيف ضاعت ملامحهم منا؟ كيف فقدنا نقاط الالتقاء معهم. أصبحت لغتهم غريبة، ومنطقهم وحشيا، وفكرهم ضالا.
هل اختطفوا منا؟ بالتأكيد اختطفوا منا.. وسرقوا.. وجُندوا.
اختطفوا ليناصروا فئات الظلال والظلم
سرقوا ليصبحوا مروجين لأفكار القتل.. والحرق.. والسحل والتنكيل.
جندوا ليصبحوا أدوات القتل وهم في عمر الزهور.
لكن كيف اختطفوا منا؟
كيف تلبسهم الشيطان، وسكنتهم أفعال الأوباش؟
ومن اختطفهم؟
لابد أن فراغا دينيا عاشوا معه.. وجهلا حادا بجزئيات يسمو بها ديننا لم تصلهم.. غفلوا عن مبادئ التسامح والعفو.. والحب والتعايش.. فكان الصوت الأوحد هو الذي يسمعوه.. صوت المصادر لكل المختلف.. صوت الرافض للآخرين، سواء من أديان أخرى أو من ثقافات أخرى أو حتى من أعراق وأطياف أخرى.. فقرروا أنهم يجب أن يلونوا كل العالم بلونهم.. وفكرهم ومنطقهم.. ووحشيتهم الدامية.
كما لا بد أنهم فقدوا مصادر الحب والحنان والاحتواء التي تضمهم برفق وتؤمن بقدراتهم ومهاراتهم فكان المحيط حولهم شديدا متشددا.. قاسيا فظا.. فخرجوا يبحثون عن القدوة في المدرسة والمسجد والجامع وفتشوا عنه حول شاشات الأجهزة الذكية.. فتلقفتهم النفوس التي بها مرض وغسلت أدمغتهم.. وجندتهم.. فكانوا أحد أهم أدوات داعش التي قاتلونا بهم.
لقد سلمنا أبناءنا لهم على طبق من ذهب.. حين غفلنا عنهم.. ودفعنا بهم دفعا؛ اعتقادا منا أن طريق المسجد والجامع -دون تمحيص أو تدقيق- هو طريق الخير.. ذهبوا وحيدين في ظل غياب الأب الصالح دون حرصنا على معرفة ذلك الإمام أو غيره وما هو فكره.. حين أغدقنا بالمال ومنحنا الأجهزة الذكية لهم لتكون هي وسائل التربية نيابة عنا.. حين رافقوا أصدقاء لم نحرص على معرفتهم والتواصل معهم.
وبعد حين من الزمن.. وبعد كل هذا نأتي لنتساءل من هم أعداؤنا؟ وهل هم أبناؤنا؟ وللأسف تأتى الإجابة لنا نعم. إنهم أبناؤنا ذاتهم أعداؤنا؛ لأنهم خطفوا منا وبأيدينا.