كنت دائما أتساءل عن السبب الذي لا يجعل الريف المحلي جاذبا، ولماذا شهدت المملكة خلال العقود الأخيرة هجرة غير مسبوقة نحو المدن والتمدن، في وقت يتصف المجتمع بشكل عام بالمحافظة والتماسك الأسري والاجتماعي، وهي المكونات التي يوفرها الريف بشكل أساسي.
سألت في موقع تويتر هذا السؤال لعلي أجد فيه تفسيرا مقنعا يزيل هذه الحيرة التي تزداد يوما بعد يوم مع التوجه الذي تشهده المجتمعات حول العالم من هجرة معاكسة نحو الريف هربا من غلاء المعيشة في المدن وأمراض التمدن التي أصابت الجميع.
المتقاعدون كانوا وما زالوا أهم مكونات هذه الهجرة المعاكسة، فولاية فلوريدا الأميركية على سبيل المثال تعرف بأنها جنة المتقاعدين، ومدن مختلفة في الريف الفرنسي والإيطالي أصبحت ملاذا للمتقاعدين الذين وجدوا في المكان الهواء العليل واللقمة اللذيذة، والمجتمع البسيط الذي يبحث عنه كل إنسان يبحث عن الراحة والسلام الداخلي.
كانت الآراء حول سؤالي في تويتر عن سبب عدم توجه المتقاعدين للعيش في الريف والقرى، أنه يعود بسبب سوء خدمات الريف الصحية والاجتماعية، في حين كانت هناك آراء تدور حول أن المواطن يسعى طوال حياته العملية إلى أجل أن يجمع المال؛ ليستقر في بيت يملكه في المدينة يورثه بعد ذلك لأبنائه، كما أن وجود الأبناء والبنات في المدن يجعل فكرة قيام الأم أو الأب بالانتقال للعيش في مكان بعيد عنهم أمرا في غاية الصعوبة من الناحية العاطفية.
قد يقول البعض إن الظروف الاجتماعية والنفسية للمواطن السعودي تختلف عما يمكن أن نجده في المجتمعات الغربية، وهو رأي لا أخالفه بالعموم، ولكن في الوقت ذاته أتصور أنه لو كانت الظروف المكانية أكثر مناسبة وتأهيلا للتعامل مع المتقاعدين وتلبي تطلعاتهم وأحلامهم وتسهل لهم مسائل الانتقال لكان اللجوء إلى المكان أمرا أكثر احتمالية، فما نراه من بعض المقتدرين الذين يعلمون على، إما شراء مزارع أو بناء استراحات في أطراف المدينة، لهو دليل على أن اللجوء نحو الريف والحياة البسيطة مطلب عميق في النفس الإنسانية.
لماذا لا تؤهل قرى معينة في محيط مدينة الرياض مثلا في أن تكون جنة للمتقاعدين الذين تقطن عائلاتهم في الرياض؛ فيجد لنفسه مجتمعا من المتقاعدين الذين يتشاركون معه في الهم والتطلعات، وبالتالي ننعش تلك القرية أو ذلك الريف اقتصاديا، ونخلق أعمالا تجارية جديدة يملكها أو يديرها هؤلاء الذين انتهى ارتباطهم بالعمل الرسمي.