قد تُنسى القصص، لكن احترازاتها لا تضيع. لا سيما تلك التي تشبه الحروق. قد لا تستغرق لذعة النار في الجلد طويلا، لكن العلامة لا تذهب. تصير جزءا من المظهر الخارجي.
إن الصرخة التي أطلقتها، احمرار الوجه، الحساسية والأوجاع كلها مضت، بقي تكرمش ما، في يدك أو قدمك، أحيانا في وجهك، ربما فوق حاجبك، ربما في أحد صدغيك.
في كل الأحوال، فإنه الشيء الذي كلما كبرت أكثر، كلما تباعدت القصة، وكلما تفاقم الاحتراز. ستعلم صغارك ومن حولك كل المهارات التي اكتسبتها فيما بعد، في تحاشي الحرائق.
إنكم لن تقبلوا بالتراجع، كل الذين نال اللهب منهم هم أولئك الذين انكمشوا، بينما كانت النوافذ والأبواب ممكنة. البقاء وانتظار المخلصين هو ما سيجعل منكم كومة من الحطب والفحم. هؤلاء بالذات يروق لهم أن يقيموا حفلات الشواء على أجسادكم وحيواتكم، سيقومون بدعوة خصومكم لاحقا، في ضيافات النفاق، ليقصوا عليهم كم استهلكت بطولاتهم العظيمة من الجمر والضحايا. ما من أحد سيقلّب حطب الموقد ليخرج أحد، بل ليزيد اشتعاله.
أيضا ربما تأتي هذه الحروق على هيئة أشخاص يسمون أنفسهم الأصدقاء، والاحتراز البالغ هنا أن الرفقة لا يذهبون في الخساسات الخفية، لا يدور بينهم الضحك الموبوء من حيث لا تعلم، لا يستعملونك في معاركهم، ولا يضعون اسمك في معاريض الوشايات والكذب، ولا ينتهون بك إلى الكلام النادم؛: كيف صدقت هؤلاء!.
فيما لو وجد قليلون لا يفعلون هذا، لا يقعون في أعراض البشر، لا تنطوي نفوسهم ومخيلاتهم على الفساد والخبث والحيلة، فإنهم بشر جيدون. سمّهم أصدقاء.
هذا الواقع كذلك فرصة جاهزة لأي سعير. العوائل التي لا تعرف عن حياة مراهقيها أي شيء. المدارس التي تنمو فيها كائنات غريبة. الكتب الكبيرة المملوءة بالدماء. التقاليد المريضة. الصراعات التي يسمي الناس بعضهم فيها كفارا. من يلاحقون النساء في الأسواق والبقالات على أقل شيء. مشاريع الوحدة الوطنية المرفوضة. الجموع الجاهزة لتبرير الجرائم، كي لا تتقدم هذه البلاد ولا هذا المجتمع خطوة إلى الأمام. والشخصيات السائبة هنا وهناك، التي تبول في عقول الصبية الصغار، بقتل أقاربهم، بتفخيخ أجسادهم، بالوقوف على باب جامع أو مصلى نساء، وكبس الزر. الزر الذي نتناساه وكأن الجميع لا يعرف عنه شيئا.