قد تبدو المفارقة غير قابلة للتصديق، ولكنها الحقيقة التي أثبتها التاريخ عبر صفحاته، فالموسيقي جوزيبي فيردي، كلفه الخديوي إسماعيل حاكم مصر آنذاك بتأليف أوبرا عايدة لتعرض في افتتاح قناة السويس في نوفمبر 1869 ميلادي لتكون ضمن برنامج حفل الافتتاح، ولكن لظروف تأخر وصول الملابس والديكورات من إيطاليا لم يتمكن فيردي من عرض أوبرا عايدة في ذلك الوقت، وتم عرض أوبرالي آخر عوضا عنه، وتبخر الحلم الذي راود الموسيقي العالمي فيردي بعرض أوبرا (عايدة) في افتتاح قناة السويس القديمة قبل ما يقرب من قرن ونصف من الزمان، ولكن تشاء الأقدار أن يتحقق جزء من ذلك الحلم في الحفل المنتظر بعد غد الخميس في افتتاح قناة السويس الجديدة.
وفي ظل الاستعدادات للاحتفال التاريخي، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الفرح، كان لا بد من وجود الفن الأوبرالي -كما هي العادة في الاحتفالات الكبرى- لما يمثله من مكانة خاصة في نفوس المصريين، فهذا الفن تحديدا يعد من أهم العلامات الفنية لمصر أمام العالم، نظرا لمذاقه الخاص ولعشق الجمهور الأوروبي له.
وكان لوقع الاختيار على مشهد النصر من أوبرا عايدة لتقديمه في الحفل الليلي دلالات خاصة، فهو يعبر عن قوة وصمود الجيش المصري على مر العصور، كما يُعد تجسيدا للعمل التاريخي والإنجاز الرائع الذي سطرته أيادي المصريين في حفر القناة الجديدة في وقت قياسي لكسب التحدي، إضافة إلى أن مشهد النصر يعد رسالة حب وسلام مع دول العالم لبناء مستقبل باهر مشرق للأجيال القادمة، ونبذ العنف والكراهية.