ما زالت جامعاتنا تعاكس دورها في المجتمع كصروح أكاديمية تهتم بالبحوث العلمية وترعى العقول لتنتج ما يخدم الإنسان ويهذب فكره، لينصب جهدها على إثبات سلطتها وهيمنتها على طلابها، رافضة مبدأ الحرية في اختيار التخصص، وهو الخيار الذي تكفله جامعات العالم لطلابها وكأنها -أي جامعاتنا- تملك الرؤية الصائبة في تحديد مسيرة الطالب الأكاديمية، وتعلم ما يناسب قدراته من التخصصات العلمية، وهذا الأمر مبني على اجتهادات منسوبيها في عمادات القبول والتسجيل، ومن قال غير ذلك فليثبت من الواقع ما هي إجراءات القبول لديها غير المتعارف عليه؟ والذي يخضع في أكثر الأحيان إلى إهواء أعضاء لجان المقابلات الشخصية! وكم من طالب وطالبة لم يتوافق ورؤيتهما الخاصة جدا! ليجد نفسه في النهاية خارج قائمة المقبولين أو مقبولا في تخصص بعيد جدا عن اختياره.
مشاكل الجامعات ليست بالقليلة أو البسيطة التي يمكن تجاوزها دون حلول لكنها لا تطرح بجدية على الرغم من كثرة الشكاوى والانتقادات التي تبرز من وقت لآخر، لكن هناك من يسكتها لينهيها قبل أن تبدأ.وإن كان في المشكلة التي حدثت في جامعة تبوك إعادة لمشكلات الجامعات إلى الواجهة إلا أن البعض يراهن على أنها ستؤول إلى ملف القضايا المحفوظة إلا إذا كان لوزير التعليم قول آخر يكون بداية لنبش هذا الملف الضخم، والتعرف على أبرز ما فيه من قضايا شائكة دائما ما يطرحها الطلاب لكن لا يتلفت لهم أحد على الرغم من خطورة ما يطرح وجدارته بتصدر قوائم الاهتمام.فهناك منها ما يستعجب حدوثه حقا كالشكاوى من سلب الحقوق والسطو على أبحاث الطلاب العلمية من قبل بعض الأساتذة؛ ليشاركوا بها في مؤتمرات علمية دون الإشارة إلى جهود الطلاب أو نسبها إليهم، وهذا يدخل في باب السرقات العلمية، ويحدث ذلك دون علم الطالب أو أخذ موافقته، وإنما يكتشف بالصدفة من خلال البحث في الإنترنت أو الاطلاع على المجلات العلمية، ولكن حتى إن علم لا يستطيع فعل شيء لذلك يسكت عن حقه في مقابل أن يخلص نفسه من ترصد الأستاذ واستهدافه إن هو احتج أو طالب بحقوقه، وغير السطو على الأبحاث هناك استهداف بعض الطلاب بالرسوب المتكرر في ثأر عجيب لا يمت للعقلية الواعية بصلة، فكيف لأستاذ أن يثأر من طالب بتكرار رسوبه في مادة ما لأنه ناقشه في أمر ما؟ ولا نعفي بعضا من طلاب الجامعات من إثارة المشكلات، وعدم الجدية في الدراسة، فالجامعة ليست مدرسته الثانوية التي تركها للتو، هي منبر تعليمي مختلف يتعامل بعقلية الكبار ليشعر الطالب بالمسؤولية وتحمل نتيجة قراراته التي يترتب عليها نجاح أو فشل مسيرته التعليمية.
ونعود إلى الجامعات وهيئاتها الأكاديمية والإدارية وتعاطيها مع الجمهور، فالفوقية وعدم المبالاة هي الصفة السائدة لدى الأغلبية وهذا الأمر يدفع بالكثير من مراجعيهم إلى الانفعال والعصبية نتيجة تجاهله وعدم الرد على استفساراته، وهذه ربما إحدى الأسباب القوية التي أثارت والدة طالبة جامعة تبوك، غير أن الصدمة في تغيير رغبات ابنتها هي الأشد أثرا؛ لأن هناك من الآباء والأمهات من يبني آمالا عراضا على الأبناء والبنات معززين ذلك بالتشجيع والاهتمام غير أن الواقع يحطم آمالهم بعنف.
جامعاتنا ليست سيئة بالمجمل فبعضها ينافس عالميا، لكن بعض المستحدث منها وخاصة في مناطق الأطراف تحديدا تحتاج ليس للمتابعة فقط، وإنما إلى إعادة هيكلتها من جديد وإبعاد العناصر التي ترفض عقولها حتمية التطور والعمل بحيادية بعيدا عن التصنيفات التي -مع الأسف- تنطلق منها هذه الجامعات في تعاملها مع طلابها.