هل بقي في الصفحة مساحة لرأي دافئ في وجه قصة ملتهبة؟ وفيما غربلت واخترت وجدت أن قضية الأسبوع على الساحة الاجتماعية هي قصة الأم التي انتقلت إلى رحمة الله في ساحة جامعة تبوك، لأن ابنتها لم تقبل في كلية الطب كما هي فعلا تستحق. وأنا اليوم لن أركض على جراح عائلة مكلومة تستحق الدعوة والشفقة، ومع هذا، لا يظن أحدكم ولو لهمسة أنني زرت جامعة تبوك أو حتى أعرف مجرد الحرف الأول من اسم مدير جامعتها الرباعي.
سأكتب اليوم رأيا في وجه التغطية الإعلامية لهذه القصة. سأقول لهذا الإعلام الواسع العريض إننا لو صدقنا أخبار وفاة الأم أو الأب لأن الابن/ البنت لم يقبلا في كلية طب أو هندسة لبنينا حول كل جامعة مقبرة بمساحة توازي ضعف القاعات والمعامل. نحن استمعنا إلى صوت الأسرة المكلومة الحزينة، ولكننا لم نستمع لصوت الجامعة الذي يقول بالبرهان الإلكتروني إن الطالبة المتفوقة لم تضع كلية الطب ضمن خياراتها الخمسة الأول. نحن، مثلا، لم نبن الاحتمال أن هذه الطالبة المتفوقة اختارت هندسة الحاسب بدلا من الطب التي كانت ضغط والدتها، رحمها الله، وهي مثال يحدث في آلاف الأسر ولا يجسد شيئا سوى ذلك التباين بين رغبة الأبناء وطموح الأبوين.
ومن أغرب ما قرأت في تغطية الإعلام لهذه القصة ليس إلا قول كاتب رأي محترف إذ يقول: لو أن هذه القصة حدثت عند غيرنا لاستقال معالي الوزير وتنحى مدير الجامعة، هي نفس وسائل الإعلام الورقي أو الإلكتروني التي قرأت قصة أم مكلومة ولكنها أيضا لم تطلب من الجامعة برهانا إلكترونيا برغبات البنت في القبول والأولويات، وكل هذا ممكن جدا جدا بصورة ضوئية واحدة. لم يذكر كل هذا الإعلام أن الجامعة حققت لهذه الفتاة رغبتها الأولى في القبول حسب اختياراتها مع أنها تستحق كلية الطب التي لم تكن ضمن هذه الخيارات، قصة فتاة جامعة تبوك وموت والدتها -يرحمها الله- لا تبرهن عن شيء سوى عن برهان فشل التحقيق الصحافي المكتمل الأطراف والجوانب، لو أننا طالبنا باستقالة معالي وزير أو مدير في كل قصة تحويل أو قبول لاحتجنا إلى مئة صاحب معالي في العام الواحد. لو أننا طالبنا باستقالة مدير كل صحة أو مشفى مع كل خطأ طبي لما وجدنا اليوم من يتصدى لمهمة الإدارة بثبات وشجاعة.
والخلاصة أننا ضحية الإعلام لأنه لا يعطي الصورة الكاملة. إعلام بنصف عين.