حماية أسواقنا من الغش التجاري لا تتحملها وزارة التجارة وحدها، بل مصلحة الجمارك السعودية والعربية بشكل عام، إذ يجب أن يكون لها الدور الأساس في كشف المنتجات الواردة وفرض الغرامات على المستوردين
لا تشعر بالدهشة عندما يحييك قائد سيارة الأجرة في مدينة ايوو الصينية باللغة العربية، فهو قد اعتاد استقبال التجار العرب من كل الجنسيات، يعرفهم من لهجاتهم، يستطيع أن يميز ما إذا كنت سعوديا أو مصريا أو لبنانيا أو يمنيا أو تحمل أي جنسية عربية أخرى من لكنتك، ولا تتفاجأ حين تجد اللغة العربية هي اللغة الثانية في هذه المدينة الصينية، حيث تجد أكثر البائعين يجتهدون في تعلمها من أجل رفع مستوى مبيعاتهم والنجاح في المفاوضات مع التاجر العربي الذي يعرفون أنه يبحث عن المنتج المنخفض الجودة والمقلد لانخفاض سعره، رغم توفر المنتج الجيد بالسعر المناسب ولكنهم ينحون للربح المبالغ فيه والجشع على حساب المستهلك.
المستوردون من التجار العرب غزوا الأسواق العربية بالصناعات الرديئة، حتى أضحت الصناعة الصينية مثالا للمنتج السيئ على الرغم من أن المصانع الصينية -في الواقع- تصنع ما تطلبه منها فقط. إذا طلبت منتجا جيدا فستجده وكذلك المنتج المتدني الجودة ستجده، ولذلك من الظلم أن نصف الصناعات الصينية بالسوء، بل يجب علينا أن نعرف أن السببين الحقيقيين خلف نظرة العرب السلبية للصناعات الصينية هما جشع التاجر وغياب الرقابة الجمركية.
الاتحاد الأوروبي واجه المشكلة نفسها التي تواجهها بلداننا العربية من المنتجات الصينية، ولكنه بادر مبكرا لعلاجها من المصدر؛ وذلك بإيمانها بأن مراقبة كل الواردات الصينية وفحصها لا يكفي؛ لذلك قامت بالتواصل مع هيئة الرقابة الصينية لتوقيع اتفاقية تعاون لمكافحة السلع المقلدة والرديئة، وذلك عبر وضع قائمة سوداء مشتركة بين الصين والاتحاد الأوروبي، وسن قوانين تفرض عقوبات على المستوردين للسلع الرديئة وكذلك على المورد والمصنّع في الدولة المصدرة الصين. لم يكتف الاتحاد الأوروبي بذلك، بل فعل نظام الإنذار المبكر رابكيس الذي تم تأسيسه في عام 2009 مما زاد بالحد من المنتجات الخطيرة مثل دمى الأطفال المحتوية على قطع صغيرة تغري الأطفال بابتلاعها، ومن ثم التعرض للاختناق.
وقامت هذه المنظمة بالتواصل مع الجهات المختصة في الصين لتبادل معلومات السلامة في المنتجات واستجابت الصين لذلك وفعلت دور التعاون بينها وبين الاتحاد الأوروبي لصناعة منتجات جيدة وآمنة، وهذا ما اختصر المشوار على السعودية أثناء توقيع الاتفاقية مع هيئة الرقابة الصينية لمكافحة السلع المقلدة والرديئة، وذلك أثناء زيارة الملك سلمان -حفظه الله- لجمهورية الصين الشعبية أثناء فترة توليه ولاية العهد، حيث استفاد وزير التجارة من تجربة الاتحاد الأوروبي الثرية في المباحثات مع الصين والتي استغرقت وقتا طويلا حتى تصل إلى صيغة مرضية حدت من انتشار السلع الرديئة في المملكة نوعا ما، مع أننا ما زلنا نعاني منها في ظل تنامي التبادل التجاري بين السعودية والصين، حيث وصلت عبر قائمة طويلة من المنتجات إلى مبلغ 271 مليار ريال في العام الواحد، وسنحتاج إلى وقت طويل حتى يتم تنفيذ بنود الاتفاقية كافة، ومن ثم رفع مستوى ثقة المستهلك السعودي بالمنتجات الصينية التي رسخها بصورة سلبية في ذهن السعوديين والعرب بشكل عام تعمد المستورد السعودي طلب أرخص المنتجات والصناعات بأقل التكاليف ومن ثم بيعها بأغلى سعر ممكن بشكل جشع، ولا يحترم حق المستهلك في الحصول على منتج جيد وآمن، وبسلوك يخالف شريعتنا الإسلامية التي تحث على الأمانة في كل مناحي الحياة وبالخصوص في التجارة.
حماية أسواقنا من الغش التجاري لا تتحمله وزارة التجارة وحدها، بل مصلحة الجمارك السعودية والعربية بشكل عام، إذ يجب أن يكون لها الدور الأساس في كشف المنتجات الواردة وفرض الغرامات والعقوبات على المستوردين، وحينها سنجد التاجر العربي يحرص على طلب الصناعات والمنتجات الجيدة؛ ليتمكن من عبور رقابة الجمارك ويحصل المستهلك على منتجات آمنة على سلامته وتحفظ حقه.