اللعب الحر هو ما يعمل على تفريغ الطاقة التي تحث على التوتر وقفل الدماغ وتعنت الرأي واتخاذ قرارات من زاوية واحدة والتشبث بالرأي، لأن الإبداع يتسرب إلى التفكير عبر الحواس الخمس، فيسري بدون قصد أو تعمد
الإبداع له لغز غامض! لكنه لا ينشأ في المياه الضحلة، لأنه رائق لا يقبل (الخمج)!
الإبداع سر أودعه الله -عز وجل- في جوف الإنسان ليعمر الأرض، ونحن ضد الإبداع وتقريبا صرنا أعداء له؛ لأننا صرنا أعداء لأنفسنا!
كنت ليلة أمس في لجنة تحكيم في مهرجان آفاق المسرح، فوجدت أن مصر حريصة على نشر الإبداع كي ينتشر الوعي. كيف؟
أمرت الحكومة بعمل رحلات جماعية من سيناء وحلايب وشلاتين والأماكن الحدودية، كل يوم رحلة بها 750 فردا وتعطي كل واحد 500 جنيه بخلاف الانتقال والمعيشة، كي يحضروا عروض المهرجان، وعليه اخترنا لهم عروضا على الهامش مثل عرض أغنية على الممر للكاتب علي سالم، ومثلها من العروض. وهي العروض التي تعرض قصصا إنسانية وبدون مباشرة كيف تكون الوطنية بشكل رومانسي خلاق. فهل نعي في هذه الآونة الحرجة دور الإبداع ودور المسرح بعيدا عن الخطابة والوصاية؟ الإنسان فطر على التمرد والعند وحب الخروج عن الأطر، لأن الله -سبحانه وتعالى- قد فطره على البحث عن الذات وعن الوجود، منذ أن بحث آدم عن الثمرة وأكلها برغم أن الجنة تحت قدميه، وعلى هذا فنحن نجهل تسرب الفن ودوره فنجعله مباشرا فجا فلا يؤثر أبدا لأن المباشرة خطابة منبرية يتخذ الإنسان منها موقف الضد؟
الإبداع له دور خفي أنا أسميته (السحر المشروع)، لأنه يغير كل المفاهيم وبدون أوامر ونواهٍ، الإبداع هو اللعب الحر بدون أي توصيات ومصادرة وبدون فرض وجهة معينة غصبا يتجرعها المتلقي فيهرب منها هروب الغنم من الذئب!
اللعب الحر هو ما يعمل على تفريغ الطاقة التي تحث على التوتر وقفل الدماغ وتعنت الرأي واتخاذ قرارات من زاوية واحدة والتشبث بالرأي وغير ذلك، لأن الإبداع يتسرب إلى التفكير عبر الحواس الخمس، فيسري بدون قصد أو تعمد. فهل نعي دور الإبداع؟
إننا نلعب كالأطفال عندما تبدع، وإذا لم يتوفر عنصر اللعب ببراءة مطلقة كان شيئا مصنوعا شيئا آخر غير الإبداع! وهذا ما نجهله. إن المبدع يتحول إلى طفل يلهو ويلعب وإذا ما تخلى عن براءة اللعب وفطريته فقدت الرسالة كينونتها.
إننا لا نرسخ مفهوم اللعب منذ أن كنا أطفالا فعندما يشتد نشاط أطفالنا ويمرحون هنا وهناك، نشعر بالضجر، ونفرح كثيرا عندما يركنون إلى الراحة والهدوء. وذلك لاختلاف نسبة الطاقة وحركتها السيكولوجية والبيولوجية بين تكويننا ككبار بالغين، وبين طبيعة جسم وتكوين الأطفال. ومن هنا لا بد أن ندرك أهمية اللعب عند الأطفال وما دوره في البناء التكويني لدى الطفل سواء على المستوى الجسماني أو على المستوى الذهني. وقد نتساءل حول ظاهرة اللعب، فهل هي فطرية أم مكتسبة أم هي خاصة بالأطفال، أم هي للكبار والصغار على حد سواء؟
والحقيقة أنه قد ثبت لدى الباحثين والفلاسفة أن اللعب هو نشاط إنساني، وهو أيضا نشاط لكل الحيوانات، وأيضا نشاط للكبار وأيضا للصغار! ومن هنا تثبت لنا أهمية هذا النشاط كونه فطريا من الدرجة الأولى ولهذا أهمية كبرى! والثانية كونه يعم كل المخلوقات وهذه أهمية أخرى شديدة الغرابة! ومن هنا اهتم الباحثون والمنظرون بأهمية اللعب في حياة البشرية بكل مراحلها العمرية، ومدى تأثيره على البعد السيكولوجي!
فيقول هربرت سبنسر: اللعب هو منفذ ومخرج للطاقة الزائدة فيكون نتيجة لتخفيف التوتر. ويقول كارل غروس: أعتقد أن اللعب هو شكل من التحضير للحياة في سن الرشد. أما ستانلي هول فيقول: أعتقد أنه خلال حياة المرء يحدث تطور في حياته تبعا لسلم التطور كما تتطور معها كل الأساليب والطرق عند كل درجة من درجات التطور. أما كاثرين كارفي فقد وضعت عدة بنود لتضع وتوضح خصائص اللعب بقولها: 1- إن اللعب بشكل أساسي ممتع. 2- إن اللعب هو نشاط يقدم في ذاته ويكافئ نفسه. 3- اللعب تلقائي وعفوي. 4- يتطلب اللعب مشاركة فعالة من اللاعب. 5- يختلف اللعب عن الحياة الحقيقية الفعلية ولا يعني هذا أن قيمته تدرى من خلال قيمته الظاهرية. ويقول أغلب الباحثين: إن كل من هذه التعريفات غير كافية ومقنعة ويعود ذلك ربما إلى أن اللعب قد يشمل مدى أوسع من النشاطات سواء من هز الخشخيشة إلى ارتداء ثياب الأم القديمة أو بناء نموذج أو شكل ما. وقد قمنا كتذكير بهذه الأهمية إلى محاولة تعريف الذكاء. وعلى كل حال؛ فإن العجز في إيجاد تعريف واضح وشامل عن جانب معين من جوانب السلوك لا يدل بالضرورة إلى عدم أهميته أو إلى أنه غير جدير بالبحث.
وما يهمنا في هذا المجال هو اللعب وأهميته لما في ذلك من أمور تتعلق ببناء الشخصية وأيضا في النمو البدني والذهني أيضا.
نحن نعامل أطفالنا بشيء من الأنانية والاستعلاء، ونذهب به إلى أماكن اللعب ونحن ننتظر بشوق متى سينتهون، وكان بالأحرى والأجدى أن نلعب معهم كي نشعر ونشعرهم باللذة والمتعة؛ وذلك لو أدركنا مدى أهمية اللعب عند الطفل كأهميته بالنسبة لنا أيضا! فيقول جل الباحثين: إن اللعب (الإبداع) لم ينل ما يستحقه من الدراسات الجادة والبحث العلمي الدقيق، حتى نصل إلى ثقافة عامة لدينا؛ فأهم ما يكسبه هذا النشاط الإنساني الفطري منذ مرحلة الطفولة هو أن الطفل يتعلم عن طريقة اللعب الجمعي الضبط الذاتي، والتنظيم الذاتي تماشيا مع الجماعة، وتنسيقا لسلوكه مع الأدوار المتبادلة فيها وأيضا نوسع المتخيلة عند الطفل، فيكون مبدعا في المستقبل. فالإبداع لا يأتي إلا من منطقة المتخيلة التي أسماها ابن سينا الحافظة. وكما يقول أحد الباحثين: اللعب مدخل أساسي لنمو العقل معرفيا وليس لنموه اجتماعيا وانفعاليا فقط، ففي الإبداع نبدأ في معرفة الأشياء وتصنيفها ويتعلم مفاهيمها ويعمم فيما بينها على أساس لغوي، وهنا يؤدي نشاط اللعب دورا كبيرا في النمو اللغوي أيضا وفي تكوين مهارات الاتصال.
ومن هنا نجد ذلك التقصير الكبير لدينا، ولدى مؤسسات التعليم أيضا، وهو كيف نوفر ونعي ونحث على اللعب (الإبداع) والمسرح بصفة خاصة، وأهم من ذلك كيف نجعل اللعب متعة، فالإبداع لا يأتي إلا عن طريق المتعة، والمتعة لا تأتي إلا عن طريق اللعب، فكيف نصنع جيلا مبدعا متسقا عطاء؟!
بلادنا تحتاج إلى المسرح في هذه الظروف خاصة، وبشكل دقيق ومهارات غير مفتعلة.