عايض الميلبي

في حقبة زمنية سالفة تعرضت المرأة إلى ظروف قاسية، فرضها واقع الحياة آنذاك، كانت مشاركة لشقيقها الرجل حلو الزمان ومره، كانت تفعل كل شيء من أجل قوت يوم أسرتها، ترعى المواشي، وتجلب الماء لبيتها، تطبخ الطعام، وترعى شؤون الزوج والأولاد، هذا في البوادي، أما في الحواضر، فاتخذت المهن الحرفية وسيلة تكسب من ورائها بضعة دريهمات، بعد بيع ما صنعت يدها في سوق يتسع للرجال والنساء رغم بدائيته، ومنهن من عملن في الفلاحة؛ يزرعن ويحصدن نهاية الموسم. إلى هذا الحد الأمر طبيعي ومعتاد، لكن حينما ننتقل إلى الجانب الآخر نجد ما يثير الاستغراب، وأعني بذلك معاملة الرجل للمرأة، ففي كثير من الأحيان نجد القسوة والغلظة سمة تميز تعامل آدم مع حواء ولم تشفع لها تضحيتها وتفانيها في كسب قلوب الرجال التي على ما يبدو أن قسوة الأيام، وشدة السغب، مع سيادة الجهل، كلها عوامل جعلت القلوب والنفوس أكثر صرامة وحزماً وكذلك قسوة.
بعد تلك الحقبة، أتى حين من الدهر تغيرت فيه معطيات الحياة ومتطلباتها بشكل كبير، فصارت المرأة مطالبة بالقرار في بيتها، بينما الرجل يغدو صباحاً ويؤوب في المساء منهكاً، وعليه ألا يستغرب حينما يُطلب منه وهو قادم إحضار الطعام من أحد المطاعم، فلربما أن النوم أو التلفاز أو مواقع التواصل هي سبب إهمال البيت وأهله، وحينما يعاتبها الزوج؛ يجد الجواب جاهزاً، فتارة تطلب خدامة تساعدها، وتارة أخرى تقول: في بيت أهلي لم أطبخ، ولم أغسل، وأحسب أن كثيراً من الرجال قد قبلوا بالواقع سواء طائعين أو كارهين، وما زاد الطين بلة أن الأمر لم يقتصر عند هذا الحد بل تجاوز ذلك، فشرعت المرأة تحاول انتزاع القرارات التي كانت تخص الرجل وحده.
 لنأخذ ما تيسر من الأمثلة الواقعية؛ لئلا تكون العبارات مبهمة ومحيرة، ولنبدأ بموضوع الزواج؛ فعندما يريد الرجل أن يزوج ابنته لآخر يعرف خلقه ودينه -وبالطبع الرجال في مجتمعنا يعرف بعضهم بعضا- فبكل سهولة يرفض طلبه من قبل زوجته، أما إذا ارتضت الزوجة والبنت رجلاً، فإن للأب أن يفكر بضعة أيام، لكن في نهاية المطاف لا مناص من الموافقة، وفي مرحلة التحضير للزواج تسمع رب البيت يشير لخطيب ابنته بأن لا يكلف نفسه ما لا يطيق، بل يفعل ما تسير، ليفاجأ بعدها بطلبات لا قبل له فيها من قبل النساء، ما يعني أن كلام الرجل فقط لإبداء حسن النية، كونه غير قابل للتطبيق، ولمن يكابر هرباً من الواقع نقول: فقط تذكر أن الرجل وقتما يود التعدد كان يتفقد أحواله المادية والجسدية أولا، بينما اليوم يتردد، ويتراجع خشية زوجته.
وفي شأن متصل نجد بعضهن تثقل كاهل زوجها بالديون، فهي لا تكترث بضيق ذات اليد، ولا تعير اهتماماً لوضع زوجها المادي الذي يحاول جاهداً توفير أساسيات الحياة، كل همها حضور المناسبة القادمة بلباس مختلف عن سابقه، واقتناء هاتف جديد رأت مثله بيد صديقتها، تريد الخروج للأسواق، والذهاب للمطاعم، وزيارة من تود بغض النظر عما يقرره الرجل. وهذا ليس تحريضاً على المرأة، بل هو واقع لا يمكن نفيه، وربما أن المرأة وجدت الفرصة سانحة أمامها، فما كان منها إلا أن استغلت تغير ظروف الحياة التي جعلت الرجل أكثر تعاطفاً وأقل قسوة، وقد يكون في مخيلتها حال سابقاتها في سالف الدهر، ثم إن الإعلام أحيانا يطرح حقوق المرأة بصورة تحمل مبالغة ومظلومية؛ توحي للمجتمع بأن المرأة مضطهدة ومسلوبة الإرادة، وهذا بدوره يحفز على ردة فعل من جانب الطرفين، المرأة تبدأ بشد الحبل، والرجل يود مواكبة العصر، لكن في ذات الوقت يخاف أن يفلت الحبل من يده دون رجعة.