تغلبي تكشف هفوات كبيرة تتوزع بين دار النشر والمؤلف
أبدت الأديبة والشاعرة سمر أحمد تغلبي المهتمة باللغة العربية استياءها الشديد من كم الأخطاء اللغوية التي تتخم بها بعض الأعمال الأدبية المطبوعة، والتي يلاقي بعضها رواجاً لدى القراء، مستشهدة بروايتين اكتسحتا سوق القراءة لدى جيل الشباب، هما أحببتك أكثر مما ينبغي وفلتغفري للكاتبة السعودية أثير عبدالله النشمي، وهما صادرتان عن دار الفارابي في بيروت.
وترى تغلبي أن المسؤولية تتوزع بين دار النشر والمؤلف نفسه عن هذه الأخطاء، وهي تقول كان يمكن أن أتغاضى عن الأخطاء اللغوية التي وجدتها في الروايتين، لكني وجدت أن الحقّ أحقُّ أن يُتَّبَع، وبالتالي، اللغة أحقُّ أن تراعى فلا تُؤذى.
وترى تغلبي أنه في عالم الفكر والأدب لا مكان للمجاملات، والنقد لا يؤذي صاحبه، ولذا فإنها ترى أن كثيرين يقعون في فخ الأخطاء الإملائية والنحوية، وهي تقول ظننت أن هذا الفخّ لا يتجاوز الصفحات الشخصية، وبعض المجموعات الأدبية على مواقع التواصل، لكني وجدته يتجاوز ذلك إلى الصحافة الإلكترونية، فكانت نصيحتي لجيلٍ لم يَبنِ صرحَ لغتِهِ سليماً بعد ابتعدوا عن القراءة الإلكترونية ما استطعتم، واعتمدوا الورقيّ الذي يخضع عادة للتدقيق قبل النشر، لكن ما لبثتُ أن وجدتُ هذه الأخطاء تسري في الصحافة الورقية، وليس فيها فقط، بل وكذلك في المطبوع من النتاج الأدبي.
وتضيف هو نتاج أدبي، وهذا يعني أنه المخزن الطبيعي للغة، فالأدب بعد القرآن الكريم هو مصدرٌ يرجع إليه اللغويون لإثبات مسألة وإنكار أخرى.. فما الذي سيحدث لو شُوِّه هذا المصدر؟.. واللافت أن هذا المطبوع ليس لكاتب مغمور لا يتجاوز نتاجه حدود بلد النشر، ولا صادرٌ عن دار نشر جديدة تفتقد الخبرة، والأدهى من كلّ ذلك أن يصل هذا المطبوع إلى طبعته العاشرة محافظاً على ذات الأخطاء، وبالتالي، هل نُلامُ إذا أطلقنا صرخةً تدعو إلى حماية لغتنا من الضياع؟.
أخطاء
وعن الروايتين المعنيتين، تقول تتميز الروايتان بانسيابية في السرد، وتلقائية في التشويق، لم يكسرهما إلا الأخطاء التي تقع على الأذن موقع النشاز في نغم موسيقي.. عشرات الأخطاء ما بين الإملاء والنحو أرهقت ذائقتي اللغوية أثناء القراءة.. والسؤال: من المسؤول عنها؟.
وتكمل يتبادر إلى الذهن أن المسؤولية المباشرة تقع على دار النشر التي ينبغي أن تُخضِع مطبوعاتها للتدقيق قبل النشر، ولكن يحضرني سؤال أتمنى من كلّ كاتب أن يستحضره: إذا كنا نطالب هواة الرّسم بتعلّم أساسيات التعامل مع الخطوط والألوان والظلال، ونطالب هواة الموسيقى بتعلّم أساسيات التعامل مع العلامات والمقامات الموسيقية، أفلا يحقّ لنا أن نطالب من يمتلك موهبة الكتابة الأدبية أن يتعلّم أبسط أساسيات اللغة فلا يضرب آذاننا بالـالنشاز؟.
نشاز
وتتابع هناك من ينتشي لنَصٍّ مليءٍ بالـالنشاز اللغوي، مثلما هناك من يتمايل على أنغامٍ يملؤها النشاز الموسيقي.
وكونك أديباً، يفرض عليك أن تمتلك أذناً ذوّاقة، لا تطربُ إلا للسليم الراقي من لغة الأدب، وهنا لا ألوم الكاتبة النشمي على بدايةٍ بهذا الكمّ من الأخطاء، لكنني ألومها إذ أجد هذه الأخطاء في الطبعة التاسعة للرواية، وفي روايتها الثالثة بطبعتها الثانية، كما أن اللوم الأكبر يقع على دار الفارابي للنشر، وهي دار عمرها قرابة الستين سنة، ولديها رصيد هائل من المنشورات.
مسؤولية
وحول سؤال عن ما هو ذنب الدار إذا كان مدققها اللغوي قد صادق على العمل وأجازه، تقول المسؤولية هنا في اختيار المدقق اللغوي، وفي حجم الاهتمام بهذه القضية، واختيار المدقق اللغوي هو من أبرز الحلول لمعالجة هذه الظاهرة التي تغزو أدبنا بتواتر متصاعد، بحيث يتم ذلك وفقاً لمؤهلاتٍ أكاديمية نظرية بحتة، كما أن التدقيق اللغوي من العلوم التطبيقية التي تُكتَسبُ بالممارسة وليس بمجرد الدراسة النظرية.
تلقّي العلم
وترى تغلبي أن علوم اللغة العربية تكتسي أهمية خاصة في تعلّم الفهم الصحيح للغة، وتقول في هذا الزمان الاستهلاكي لا بد أن يكون التدقيق اللغوي تخصّصٌ مستقلّ كما هو الحال في تخصص الترجمة الفورية في دراسة اللغات، حيث يعتمد هذا التخصص على إكساب الدارس ذائقة لغوية وأذناً قادرة على التقاط الخطأ وتصحيحه بشكل تلقائي دون الرجوع في كل أمرٍ إلى قواعد النحو والصرف، قد يكون هذا الحلّ بعيد المدى يتطلب قراراتٍ من أصحاب القرار في التعليم العالي وسنوات لتخريج الدفعات الأولى من هذا التخصص، وبالتالي فإن هناك حلولا آنية سريعة ومستمرة، كأن تعطى الصلاحيات الكاملة لمجمع اللغة العربية لإيقاف المطبوعات التي تتجاوز سقف الأخطاء المسموح به، ومعاقبة الدار التي صدر عنها المطبوع بالتوقف عن النشر لفترة من الزمن.
ظلم
ولا تنفي تغلبي أن حلولها العالجة ربما تكون صارمة وظالمة نوعاً ما، لكنها تبرر ما لم تكن الإجراءات صارمة فلن تجد اهتماماً من دور النشر بهذا الأمر، وأما الكاتب فأهمس في أذنه: تأخّر قليلاً عن قطار الأدب من أجل اللغة .. فبعدها ستحلّق وتصل.
وتختم علينا حماية لغتنا حتى لا تضيع، وحتى لا نصل يوماً تدرس فيه لغتنا في كليات الآداب كلغة قديمة تشقّقت منها عدة لغات، شأنها في هذا شأن اللاتينية؟.. فإذا انقرضت لغتنا انحدرنا لغوياً وأدبياً وحتى دينياً، فدونها لن يفهم أبناؤنا القرآن، ويتحوّل إلى كتابٍ يُتلى تعبُّداً دون فهم، فتضيع التعاليم، ويضيع المنهج.