انتفخ ثم زمجر بصوت عال قائلا: هاهي أوروبا تكشف عن سوءتها وأنانيتها والمُثل الزائفة التي تقوم عليها، المادة أهم من البشر والحلفاء، ولتذهب اليونان إلى الجحيم.. سألته: كأنك تقصد أن الاتحاد الأوروبي قد خذل اليونان، لم يعرني جوابا وكأنه أسقط في يده فهو لا يعلم من منطق شعوبي عربي كاره لكل ما هو غربي غير أن الحياة هناك متفسخة ولا تستحق أن تؤخذ كمثل أو أمثولة.
لسنا هنا بصدد الكتابة عن ما قاله ذلك الكاره للغرب أو حتى عن القضية اليونانية لأن المسألة اقتصادية بحتة ولها أصحابها ممن يجدون القدرة على التعبير عن ذلك، فما نتمناه أو نتوق إليه أن نقرأ الفعل الإيجابي الذي بلغته أوروبا عبر اتحادها العظيم وهدفها النبيل الأساسي من ذلك وهو إغلاق صفحات التاريخ الدموي العنيف الذي كانت عليه فيما بينها عبر حربين كبيرتين أكلتا البشر والحجر.
أوروبا بكت فرحا حينما اقتربت وحدتها من الاكتمال وهي تدرك أن هناك عوائق اقتصادية وإثنية ولغوية ستكون مثل العصا في الدولاب، لكنها أعلنت أنها لن تستسلم بل ستخرج العصا وستصلح الدولاب، فهي لم تصنع وحدتها من أجل التظاهر، بل غير أنها لأجل الحفاظ على السلام بين دولها، أرادت أن تكون قوة اقتصادية تقود العالم، وسط المتغيرات التي باتت تسيطر على العالم، وتغير موازين القوى بين أمريكا وروسيا وظهور القوى الاقتصادية التي أصبحت تقترب من أن تكون اللاعب الأول اقتصاديا كما الصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، لذا لم يكن أمام الأوروبيين إلا أن يصنعوا وحده خاصة بهم وتليق بهم أيضا من كل النواحي، تستطيع أن تتوافق مع كل التغيرات في العالم حتى لو توارى الاتحاد السوفيتي أو انهارت أميركا.
قد نبحث في العالم العربي عن مثل هذه الوحدة، لكننا ندرك صعوبة مثل ذلك، لأن من أهم مقومات الوحدة تشابه الأنظمة وديمقراطيتها، ولدى العرب ليس ما يختلف فقط، بل ما يدعو إلى الفتنة والحرب والاستسلام للآخر كما في قصة إيران مع بعض العرب، لذا فهي وحدة مستحيلة لأن مقوماتها وأساسياتها غير موجودة في الأصل.
قد يخرج علينا من يقول إن العرب أقرب إلى ذلك من أن ليس في تاريخهم حروب ساحقة كما كان بين الأوروبيين، لنسأله كيف خرج الأوربيون من تلك الحروب، وكيف هي حالهم الآن، وكيف حال العرب الآن، وهل معظم حكامهم يسرقون الحكم بالانقلابات والطائفيات والاستعانة بالخارج؟!
قد نجد مثل هذه الوحدة تصلح لأبناء الخليج العربي، وهي قد حدثت بالفعل، لكنها ما زالت بطيئة وتفتقر إلى مقومات كثيرة، رغم الاستقرار والتآلف والرضا بين الحاكم والمحكوم، غير المستوى الاقتصادي الذي يدعم هذا التوجه، إلا أنها ما زالت هشة، وتفتقر إلى التوافق أكثر في كثير من القرارات المهمة والمصيرية، كالعملة الموحدة، والتنقل بسهولة أكثر بعيدا عن الاختلافات التي كثيرا ما تطرأ وتعطل ذلك بين دولتين أو أكثر.
الأهم في القول أن الوحدة الأوروبية مثال راق بُني على مقومات راسخة لا يعيقها إذا ما خرجت دولة منها لأن أهدافها أكبر، وتصب في النهاية في مصلحة الفرد الأوروبي أكثر من حكوماته.