نورة الشهراني

سلسلة الأحداث الدامية التي ظهرت في الآونة الأخيرة في عدد من بيوت الله، وانتهاك حرمتها بوحشية، وتورط شباب من صغار السن المتحمس لهذه الخلايا الإرهابية، قد لا تبدو ظاهرة غريبة في مثل الظروف التي يعيشها العالم حولنا، وبالتزامن مع نشوء الكثير من المخططات الاستغلالية، وظهور تنظيم داعش الإرهابي.
ولكن الأمر الغريب والمؤسف هو تراخي مراكز البحث العلمي عن دراسة مسببات انصياع بعض الشباب لهذه الفتن الشعواء؛ لإنقاذ المتورطين من الأطفال والشباب من هذا الوحش المرعب الذي يسعى إلى تخريب النشء، وتقويض الأمن، وبث الفتنة في بلاد الحرمين، ونشر الفرقة بين أبناء الوطن!
كان قد شغل تفكيري منذ زمن البحث عن إجابة لتلك الأسباب التي غفلنا عنها، وتجاهلنا أثرها الفتاك في تدمير الوعي الجمعي لدى الكثير من الصغار ممن يقل الوعي في أسرهم، وما يجعل حصانتهم ضد تلك الأفكار ضعيفة، وقابليتهم للعنف وقتل الأبرياء أكبر، في ظل جهلهم وحماستهم.
فثقافة الخطاب السائد المتراكم عبر السنين والكلمات المعممة والمكررة التي تعتلي معظم المنابر، تشي بخطاب غير واع ولا مسؤول لما يؤول إليه، منها الإسهام في إعلاء نبرة الاتهام، ونظرية المؤامرات التي ظلت سببا في أن يحاك في نفوس النشء الألم والنظرة المتشائمة والقاصرة لكل ما حولهم، والشعور بتخاذل من يحيطون بهم جميعا؛ مما يجعل المراهق المتعاطف مع ذلك الخطاب يقرّ -في مخيلته القاصرة- أن كل من حوله ثلة من المجرمين المتواطئين والمشتركين في الجرم حتى أصبح يرى في هلاكهم صلاحا للعالم، حتى وإن كان منهم والداه أو أهل قريته الصغيرة! فيتصور أنه لا علاج لهم إلا بالكي.
هذا الخطاب الحاد الذي يكرِّس للهجوم والقوة في مدافعة الآخر دون بلوغ الأمل، يجعل هؤلاء الشباب يبحثون عن حلول عاجلة ويقعون فريسة سهلة لخلايا تنظيمية وتكفيرية تنشر أذرعتها بخفاء؛ لتجعل من مجتمعنا ومراهقينا لقمة سائغة لهم وأداة مطواعة في أيديهم.
كما أن للمناهج أكبر الأثر في تعديل سلوك الأفراد والمجتمعات، وهي اليوم ليست بحاجة للاختزال المبالغ فيه بدعوى التخفيف عن هذا الجيل. بل بحاجة إلى التكثيف والتركيز.. وهناك أنماط تعليمية كثيرة تحتوي العقول وتنميها بدلا من أن تترك وتهمل لتتفرغ للتخريب باستغلال من أئمة الفتنة والضلال. على أن التعليم لم يسلم -ولو قليلا- من مناهج أحادية التفكير تفرض رأيا وتقوض ما سواه وتزدريه؛ لذا ينبغي تعزيز قيم الحوار والتسامح.
أخيرا.. أتساءل عن الكم الهائل من الرسائل العلمية التي تعتمد سنويا من جامعاتنا، وكيف لا يكون لها دور في خدمة المجتمع وحل مثل هذه المشكلات عمليا.
والسؤال هنا هو أين الدور المنوط بالبحث العلمي؛ للوقوف بالمرصاد لهذه الظاهرة الميكروبية التي وجدت خصوبتها في ظل هذه الظروف؟ فالقضاء عليها من أجمل الأمنيات.