كنا بجرعة بسيطة من الأعمال الفنية التي يقدمها الهزاع والتمامي وزيني ومشقاص إذاعيا ومن بعدهما جيل أبيض وأسود التلفازي ثم ملون طاش القصبي والسدحان نشعر بالراحة والسعادة ونتبادل القفشات والتعليقات، لأنها تقدم حياتنا البسيطة بعيدا عن العنصرية والطائفية والفئوية والإقليمية.
الآن اختلط الحابل بالنابل وتغيرت النغمة من غسل للهموم ورسم للابتسامة إلى نغمة توغر الصدور وتوسع دوائر الخلاف والاختلاف، وأصبح الفضاء العربي تعصف به التيارات وتتقاذفه كرة الفتنة التي كانت نائمة وأيقظها المجوس عبر محوري الشر والتبعيين العرب.
المنابر الدينية والثقافية والأعمال الدرامية تستطيع قيادة المجتمعات العربية لساحة التقارب والتلاحم والتواد والتراحم، وتستطيع تطوير مفاهيم المجتمع، وتوسيع دوائر الوعي، إذا التزمت بمنهج الدين القويم وناموس الحياة السوية.
اختلف يونس بن عبد الأعلى مع شيخه الإمام الشافعي في حلقة درس، رحمهما الله جميعا، فقام يونس مغضبا وترك الحلقة وذهب إلى بيته. فلما أقبل الليل، طَرَق البابَ مجهول. قال: قلت: من بالباب؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي فلما فتحت الباب، فوجئت به فقال لي: يا يونس تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة؟!
هذا هو الفقه الأخلاقي، وهذا منطق صفوة البشر في حواره مع الكفار وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ولو قال صلى الله عليه وسلم أنا على حق وأنتم على باطل لن يجلسوا للتحاور معه.
أعمالنا الدرامية متشنجة، وأصواتنا لها ضجيج وفضاؤنا يئن، ولغة سفك الدماء سنها الحوثيون والمجوس وحزب الشيطان وبقية قرامطة العصر، نحن بحاجة إلى لغة تريح القلوب وتبعدنا عن المنغصات، نحتاج إلى كلمة سواء وحوار ببساطة قاضي المحبين.. الأعمال الدرامية هي الكذب الوحيد الذي يصفّق لأبطالها المشاهدون فهل يمنحنا قرامطة العصر فرصة التصفيق للقصبي والسدحان؟