هل ستكون لبنان بعيدة عن انعكاسات تدخلات 'حزب الله' في سورية واحتمالية نقل المعركة إلى الداخل اللبناني؟ وهل سيبقى العراق بشيعته وسنته، عربه وكرده، صامتا تجاه التدخلات الإيرانية الصارخة في شؤون بلاده الداخلية؟
أصبحت النظرة العربية إلى الدور الإيراني في الشرق الأوسط شبه متطابقة في الغالب رغم وجود بعض الاستثناءات البسيطة المفهومة أسبابها ودوافعها. فمنذ ثورة 1979، تنتهج إيران سياسية عدائية تارة، وتخريبية تارة أخرى، تجاه الدول العربية، مستندة في ذلك على استراتيجية مذهبية مدفوعة بشيفونية قومية، تعتمد على نظرة استعلائية تجاه دول الجوار العربي، حكومات وشعوبا، شيعة وسنة، إلى جانب طموح لبسط النفوذ والهيمنة، مستخدمة في ذلك أذرعها الأيديولوجية والسياسية والعسكرية وشبه العسكرية في الداخل العربي.
كانت لبنان، ولا تزال، إحدى الدول التي عانت كثيرا من التدخلات الإيرانية على المستوى السياسي عبر نافذة حركة أمل، والمستوى الميليشي متمثلا في حزب الله اللبناني، وقد أدت هذه التدخلات إلى تجاذبات سياسية بين مكونات المجتمع اللبناني (سنة، شيعة، مسيحيون)، وها نحن نشهد منذ أكثر من عام فراغا سياسيا هناك يتمثل في عدم التوافق على رئيس للجمهورية اللبنانية.
مؤخرا، خرجت أصوت لبنانية جريئة، تنتقد صراحة الدور الإيراني في لبنان والمنطقة، فقد أكد وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أن تدخل الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في الدول العربية يزيد الخلل المذهبي في المنطقة، وأضاف أن هناك خللا مذهبيا يكبر في المنطقة من سورية إلى العراق إلى اليمن، ويكون أكثر اشتعالا بسبب تدخل ميليشيات مذهبية ضمن المشروع الإيراني، حيث تظهر تداعياته في لبنان، مؤكدا على أن قائد الحرس الثوري الإيراني اعترف بتدخل إيران في سورية واليمن ضمن توسيع منطقة الهلال الشيعي بالمنطقة، مبينا أن مشروع إيران لا يترجم إلا بمزيد من الاحتقان المذهبي وانهيار مرتكزات الاعتدال ومزيد من جنوح الناس نحو خيارات لا تشبه تاريخها. واختتم المشنوق تصريحاته بالتطرق إلى ما سماه القمر العربي وأنه سوف ينتصر في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء على الهلال الإيراني مهما طال الزمن.
يدرك اللبنانيون -وبتلك التجربة المريرة التي عاشتها لبنان في ثمانينات القرن الماضي- أن الدور الذي تلعبه طهران في المنطقة لا يجلب سوى الدمار والخراب، ونماذج العراق وسورية واليمن شواهد ظاهرة وجلية على ذلك، فماذا تحقق من وراء تلك التدخلات؟ وماذا استفادت شعوب تلك الدول من تدخلات إيران سوى الخراب والدمار؟! في هذا الصدد يقول المتحدث باسم المجلس الإسلامي في لبنان، الشيخ محمد الحسيني إن إيران تستخدم الشيعة في لبنان، وسورية والعراق واليمن أدوات وجسورا، لتعبر بهم إلى مبتغاها وتبسط نفوذها على دولهم، دون إعطاء قيمة للشيعة العرب، مهما أسدوا لها من خدمات. وكرر مطالبته للشعب العراقي بمكونيه السني والشيعي بأن يتوحدوا في مقاومة ما أسماه الاحتلال الإيراني قائلا: في العراق إيران هي المحتلة، إيران هي من تحتل العراق وليس الشيعة.
تصريحات الحسيني هذه تؤكد أيضا على أن العراق يحتاج إلى صحوة سياسية وشعبية في وجه الأطماع الإيرانية، وبخاصة أن مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي كان قد صرح قبل بضعة أشهر بمخطط بلاده تجاه العراق عندما قال إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، وإيران أصبحت إمبراطورية كما كانت سابقا وعاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت عبر التاريخ. هذه التصريحات الرسمية الإيرانية تتطابق مع المشروع الإيراني تجاه العراق وقد شرعت في ذلك على أرض الواقع منذ عام 2004، لذا نجد اليوم أن أتباع إيران في العراق يسيطرون على البلاد إلى درجة التحكم في سياساتها الداخلية والخارجية والأجهزة الأمنية، وأبعدت العراق عن حضنها العربي وانتمائها القومي.
يقول المتحدث باسم المجلس الإسلامي في لبنان الشيخ محمد الحسيني إن المخابرات الإيرانية هي من تتحكم في مكتب المرجع الشيعي علي السيستاني، وتقوم بإصدار الفتاوى التي تصب في مصلحتها من مكتبه ودون علمه. والسؤال هنا: أين المرجعية الشيعية العربية من المشهد الشيعي في العراق بل والوطن العربي بأسره؟ ولماذا يتم السماح باختطاف المذهب الشيعي من قبل إيران؟ يؤكد المرجع الديني آية الله السيد الصرخي أن التمدد الإيراني لن يتوقف عند حدّ ما دامت الدول والشعوب مستكينة وخاضعة ولا تملك العزم والقوة والقرار للوقوف بوجه الغزو والتمدد القادم الفاتك بهم، موضحا أن السياسة والحكم التسلطي والمشاريع الإمبراطورية التوسعية الإيرانية تفعل كل شيء وتقلب كل الحقائق من أجل الحفاظ على وجودها وتسلطها وتنفيذ مشاريعها.
من هنا، نجد أن تصريحات المشنوق والحسيني والصرخي قد تكون سببا في يقظة الكثيرين في الداخل اللبناني والعراقي، وتمثل نبراسا للمزيد من المواقف الوطنية والقومية في هاتين الدولتين العربيتين تجاه المخطط الذي تعمل إيران على تنفيذه تجاههما، وبخاصة إقحام تنظيم حزب الله في الصراع السوري وتلطخ أيدي عناصره بدماء الشعب السوري المكلوم، فهل سينسى السوريون ذلك؟ وهل ستكون لبنان بعيدة عن انعكاسات هذه التدخلات واحتمالية نقل المعركة إلى الداخل اللبناني؟ وهل سيبقى الشعب العراقي بشيعته وسنته، عربه وكرده، صامتا تجاه التدخلات الإيرانية الصارخة في شؤون بلاده الداخلية؟
الخلاصة، تحتاج هذه الدول، رسميا وشعبيا، إلى استشعار حقيقي لخطر التدخلات الإيرانية ومآلات ذلك داخليا وإقليميا.