.. والشماعة: مشجب تعلق عليه الملابس، لكنها تحولت إلى مشجب تعلق عليه الأخطاء، ومفر من الفشل والتقصير؛ بمعنى أنها صارت أداة كذب وتضليل، بعد أن كانت أداة رفع وترتيب. والشماعات أنواع جاهزة بحسب الأعمال، ومنها:
- شماعة المسؤول الخدمي الجاهزة في وجه أي تساؤل عن مشروع متعثر، أو مُنشأ بشكل غير مرض، وهي: المقاول الذي عليه أن يسكت ويرضى بكونه شماعة، وإلا تأخرت مستحقاته.
- شماعة الواعظ الحركي، في حال رأى الجماهيرَ تنفض من حوله، وتنتقد أساليب حزبه، وترهاته، وهي: الليبراليون والعلمانيون والتغريبيون، وربما وصل الأمر إلى الحداثيين المنقرضين، ويمكن ابتكار أصناف جديدة إذا لزم الأمر.
- شماعة الأستاذ الجامعي العاجز عن التأثير في طلابه، أو الإضافة إليهم، وهي التعليم العام الذي لم يؤسسهم على أساس علمي متين، فعجزوا عن استيعاب المادة العلمية في الجامعة.
- شماعة الطالب الفاشل في دراسته الجامعية، وهي: أن الأساتذة لا يصححون، ولا يعدلون بين الطلاب.
- شماعة معلم الصفوف الأولية العاجز عن تعليم القراءة والكتابة بشكل جيد، وهي: أن البيت لا يتعاون مع المدرسة.
- شماعة المثقف السلبي، وهي: أن الشللية تطغى على المؤسسات الثقافية، فلا يمنح منسوبوها الفرصة إلا لمن كانوا داخل دائرة الشلة.
- شماعة الكاتب الرديء، وهي: أن الصحف لا تستكتب إلا العلمانيين، ولا تريد الأقلام الأصيلة.
- شماعة الخاسر في أي انتخابات أو تصويت، وهي: أن هناك تزويرا، وقد يمارس كل أنواع التدليس الحقيقي، في سبيل إثبات وجود تزوير افتراضي!
وهكذا تتحول الشماعات إلى قوالب جاهزة، تشبه المعاني الجاحظية المطروحة في الطريق، وتتحول الحياة كلها إلى تبريرات واهية.
لا يكاد قارئ يغادر صفحة من صحيفة، إلا ويجد فيها شماعة أو أكثر، ولا يكاد يطلع على تصريح متحدث رسمي، إلا ويجده قائما على فكرة الشماعة، ولا يكاد يخلو حوار صحفي مع: مثقف، أو كاتب، أو واعظ، أو فنان، من فكرة الشماعة، التي باتت حجر الزاوية في حواراتنا وأقوالنا وتحليلاتنا، وكأننا لا تخطئ، وإنما يخطئ الآخرون فقط.
إن تحول الحجج القولية إلى شماعات متراكمة، دال صادق على غياب المكاشفة والشفافية، ومؤشر واضح إلى أننا نزكي الأنفس في الحالات كلها، ونلقي اللوائم جميعها على الآخرين، فارين إلى الأمام من أخطائنا.
أخطاؤنا لن تصلح، ما دمنا لا نقر بها.
وحالنا – بوصفنا مجتمعا - لن تصلح، ما دمنا نعلق أخطاءنا على المشاجب.
الصدق مع الذات، هو الخطوة الأهم على طريق النجاح والإصلاح والتنمية والنهوض، فأيان هذه العناصر/ الأمنيات، ونحن لا نتنافس إلا في الترامي بكرة الأخطاء؟!