في المقال السابق، تحدثت عن مشروع هايدلبرغ الذي تمكّن بفكرته المبتكرة من إعادة الحياة إلى الجزء الشرقي من ديترويت؛ المدينة التي أعلنت إفلاسها قبل سنوات!

لكن دعونا من المشروع، ولنركز على صاحب الفكرة تيري جوتون الذي حينما عاد وشهد سقوط أفراد حيّه واحدا تلو الآخر لم يقف مكتوف اليدين، بل خرج إلى الشارع يتلمس طريقه نحو إعادة تأهيل مجتمعه بالمهارة التي يتقنها وهي الفن، فعمل على استبدال المسدس بفرشاة الرسم، وطفق يشجع شباب حيّه على المشاركة بأي شيء مهما كانت بشاعته أو رداءته!
آمن تيري بفكرته ولأجلها تحمّل كثيرا من الأذى، فلقد واجه تدخل بلدية المدينة أكثر مرة، حينما جرفت كل إبداعه ودمرته، دون إغفال الدعاوى القضائية من بعض الجيران الذين لم يتقبلوا هذا النوع من الفن المختلف، لكن وبعد سنوات من الكر والفر؛ ظهرت نتائج عمله حقائق على الأرض، ما دفع البلدية أن تراجع موقفها منه بعد عشر سنوات، ثم تمنحه تمويلا لبعض برامجه! فضلا عن انهمار الجوائز وأموال الدعم التي وصلت ذروتها حينما احتفل بيوبيله الفضي.
بالطبع، لم تكن الرحلة سهلة أبدا، بيد أنها استحقت كل هذا الألم، فنتائج الإصرار ظهرت على المجتمع أولا، ثم على تيري نفسه، إذ إنه وبعد أن تفرّغ لإدارة المؤسسة غير الربحية التي أسسها لاستدامة المشروع؛ عاد محاضرا إلى الكلية التي تخرج فيها! كما أمسى مرجعا ومستشارا لبرامج التدخل المجتمعي بواسطة الفنون.
الرائع في الأمر أن تيري لم يكتف بالولايات المتحدة، بل إن مدينة بوخوم الألمانية دعته عام 2013 لتقديم المشورة والدعم، بعد أن أغلق مصنع سيارة أوبل، والذي كان مشغلا لـ10% من سكان المدينة!
أن تؤمن بفكرة ليس بالأمر الصعب، لكن أن تجعلها محور يومك وهدف حياتك، فذلك هو التحدي الصعب، وهو –بالتأكيد- ما نجح به تيري.