في مسرح لا حدود له، ولا تقيده ديكورات مفترضة أو إضاءة أو كواليس، ومع امتزاج الموسيقى بصهيل الخيل وهجيج الإبل، يتناول العرض المسرحي نقش من هوازن ثلاث مراحل أساسية في حياة لبيد بن ربيعة.
المرحلة الأولى، نشأته وطفولته في كنف عمه عامر بن مالك أبو البراء العامري المكنى بملاعب الأسنة، سيد من سادات قبيلة هوازن، وهي إحدى قبائل قيس عيلا، وفي هذه المرحلة تظهر على لبيد الغلام ابن الـ15 ربيعا ملامح الشاعر الفصيح اللسان، القوي التعبير، ذي الأخلاق الحميدة والمعشر الطيب، حيث كان راعيا لإبل عمه عامر، وبالوقت نفسه كان متحدثا باسم قومه في مجلس النعمان بن المنذر ملك الحيرة ووسيطا لقومه في حل مشكلاتهم معه.
وفي المرحلة الثانية تصور شبابه المفعم بالحيوية حيث كان فارسا سيفه حاد في الحروب التي خاضها مع قومه، وكذلك حاد الذكاء وواسع المعرفة وعذب الشاعرية في قصائده التي ذاعت بين الناس، وتصدرت مجالس الشعراء.
وامتدت المرحلتان الأولى والثانية على مدى تسعة عقود من الزمن، بما يعني 90 عاما قضاها في الجاهلية.
وفي المرحلة الثالثة ينقلب الواقع رأسا على عقب، ويترك لبيد الجاهلية وشعرها، ويشرح الله قلبه للإسلام، حيث يصبح واحدا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن حفظة القرآن الكريم وتدبره بدلا من الشعر، ومن ثم اعتزل الناس في الكوفة مع عائلة وعاش حياة الزهد والإيمان عزيزا كريما جوادا مضيافا، ينحر الإبل ويطعم الفقراء كلما هبت صبا، وضاقت به الأحوال، فساعده والي الكوفة على الوفاء بوعده في النحر، وأمده بمئة من الإبل الإبكار فنحرها وأطعم.
نال إعجاب الخلفاء الراشدين الذين قربوه وأكرموه، وظهر ذلك من طلب الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- له وزيارته له.
نص
يقدم العمل الذي يخرجه ممدوح سالم وتشارك فيه نخبة كبيرة من الممثلين، وطاقم كبير متكامل سخر الجهد والإمكانات المتاحة لإظهار العمل بالمستوى الفني المطلوب.
وتورد المسرحية عددا من المشاهد التي ألفها حسين عادل شاهين.. حيث يتبلور المشهد الأول في:
موسيقى خاصة متمازجة مع صهيل خيول وهجيج إبل.
منظر لمرور قافلة من بعيد.
مجموعة من الناس يتابعون مرور القافلة.
ـ إنها قافلة الهند.. ما أروع ما تحمل. (أحدهم).
ـ نعم.. وخاصة الحرير الهندي.. لباس الأغنياء وحلل العرائس. (آخر).
ـ ولا تنس السيوف الهندية. (رجل).
ـ والتوابل وما لذ وطاب. (رجل آخر)
حديث ضمن القافلة
ـ أيها الرجال شارفنا على الوصول والمستراح قريبا.. سنأخذ قسطا من الراحة، وبعدها نتابع. (تاجر).
ـ نعم يا سيدي.. أضنانا التعب وغلب علينا الجوع والعطش. (رجل)
المشهد 2
ومن الحكايات ما يتناقله الناس ويتخذونه مثالا وعبرة.. فحكايات العشق التي شاعت كقصة عنترة العبسي وعبلة، وقصة جميل وبثينة، وقصة قيس بن الملوح وليلى العامرية وتضحياتهم.. فمنهم من أفقده عشقه عقله وأضحى مجنونا، ومنهم من قتله الهوى.. وقصص البطولة والفروسية كقصة أبي ليلى المهلهل، وقصص الحروب التي دامت عقودا من الزمن وسفكت فيها الدماء.. وقصص نوابغ الشعر ومآثرهم وبطولاتهم. (الراوي)
المشهد 3
مجموعة من الإبل يرعاها غلام صغير وينادي عليها لتتجمع.
الغلام لبيد ينظر بعيدا حيث يرى عمه عامر بن مالك ومعه مجموعة من الرجال قادمين.
المشهد 4
في خضم هذه الحياة بنعيمها وشقائها تبرز لنا حكاية مثيرة للدهشة والإعجاب معا.. عمر مديد يحمل معه كثيرا من الحكايات ويمتد مئة وخمسين عاما.. حكاية تحمل في طياتها البطولة والكرم والفروسية والفصاحة والشعر.. خرجت من هنا من هوازن من بني جعفر.. حكاية لبيد بن ربيعة العامري.. حيث ترعرع في كنف عمه عامر بن مالك العامري المكنى بملاعب الأسنة.. أمضى سنوات الطفولة يلعب في الحي مع أولاد عمه وعندما بلغ الخامسة عشرة راح لبيد الغلام يقوم بما يعجز عنه الكبار.. حيث بدت عليه ملامح الشاعرية من فصاحة اللسان وحسن التعبير.. قولا وشعرا ورجزا.. وشاع ذلك في هوازن، فنال محبة واحترام القوم لحسن أخلاقه وطيب معشره وتواضعه، وهو يرعى إبل عمه عامر تحت حر الشمس الحارقة. (الراوي)
المشهد 5
عامر بن مالك ومن معه يصلون بالقرب من لبيد.
ـ إنه لبيد.. بالرغم من الحر الشديد يرافق الإبل ويحافظ عليها. (عامر).
ـ بالرغم من صغر سنه يتحمل مسؤولية يعجز عنها الكبار. (رجل 1).
ـ يا قوم لقد هانت هوازن كلها على النعمان بن المنذر، وهان عليها سادتها وأشرافها.. نحن سادة هوازن، ولا نقبل أن تهان كرامتنا من أحد حتى لو كان النعمان. (عامر).
ـ صدقت يا ابن مالك.. فما تعودنا أن نطأ مكانا لا تصان فيه كرامتنا ولا يسمع لنا فيه رأي. (رجل 2).
ـ يا سادة هوازن، لن نذهب إلى قصر النعمان إلا بدعوة منه.. وإلا فلا حاجة لنا بلقائه. (رجل )1
ـ ماذا هناك يا عماه؟ ولمَ يشتد الخلاف بينكم؟. (لبيد).
يتقدم لبيد مستفسرا عن سبب الخلاف.
ـ لا شيء يا بني.. عد إلى الإبل. (عامر).
ـ أقسم أن لا أرعى لكم إبلا بعد اليوم إن لم تخبرني بما يجري.. أو لست رجلا ومن حقي أن أعرف وأفهم. (لبيد).
يرمي لبيد عصاه أرضا.. يضحك عامر والرجال.
ـ كبرت يا ابن أخي وإني لفخور بك (عامر).
ـ فقل لي إذاً. (لبيد)
ـ لم يعد لنا مكان ولا حظوة عند النعمان يا لبيد. (عامر).
ـ لماذا؟ ما الذي جرى؟. (لبيد مستغربا).
ـ قصة طويلة يا ابن أخي.. إنه الربيع. (عامر).
ـ أتقصد خالي الربيع المقرب من النعمان؟. (لبيد).
ـ نعم خالك.. أوغر صدر النعمان علينا. (عامر).
ـ ومن هو الربيع حتى يصدقه النعمان ويأخذ بكلامه. (لبيد).
يشير إلى نبات البقلة ويصف.
ـ إنه تربة لا تذكي نارا ولا تؤهل دارا ولا تسر جارا، عودها ضئيل وفرعها كليل وخيرها قليل.. اقبح البقول مرعى وأقصرها فرعا وأشدها شاسع وآكلها جائع والمقيم عليها قانع.. فألقوا بي أخا عبس أرده عنكم بتعس.. وأتركه من أمره في لبس.