من خلال الدورات التدريبية الخاصة بكيفية الكتابة الصحفية للإعلام، وبمعنى أدق صناعة المادة الإعلامية لا ننفك من الاستشهاد بما تبثه وكالات الأنباء كأنموذج مثالي لكيفية الكتابة الصحفية عن الأحداث والأخبار والتقارير وكل ما له علاقة بالتحرير الصحفي الإعلامي.
لكنني أستميح القارئ عذرا بأن شيئا قد لفت النظر من خلال هذه الدورات، وهي الحقيقة التي تقول إن وكالة الأنباء السعودية ليست المثال الجيد لكتابة المادة الصحفية، ولست أنا من وقف على ذلك فقط، بل إنه من فرط الصدمة قد سألت زملاء يقومون بهذه المهمة التدريبية عن الأمر ووجدتهم يؤكدونه، بل إن بعضهم يضيف أسبابا تجعلها لا تكون المثال الجيد للكتابة الصحفية المطلوبة.
ليس تجنيا لكن وكالة الأنباء السعودية تعتمد على الإنشائية الخبرية والميل العاطفي أكثر من المباشرة بالمعلومة، على عكس الوكالات الشهيرة وحتى الخليجية القريبة منّا، وهو ما يقود إلى أن واس وهو الاسم المختصر لوكالتنا الرسمية، لا تعتمد على المعايير الحقيقية في الكتابة، بل على قيمة المسؤول ومكانته الاجتماعية أكثر من قيمة الحدث وبما يجعلها تضيف مقدمات إنشائية تضعف الخبر، وتضعف وهجه.
لن نذهب بعيدا في كيفية الكتابة والمطلوب في ذلك لكن، قبل أن يتسرع البعض في الرد أتمنى أن يقوموا بعمل مقارنات بين وكالات مختلفة مع وكالتنا لخبر واحد والأكيد أنهم سيجدون الفرق، ليس في الاختصار والمقدمة الأهم المطلوبة، بل أيضا في القواعد الأساسية لكتابة الخبر.
لنبتعد عن كيفية الكتابة فما يهمنا الآن وبكل تجرد هو السؤال عن وكالة الأنباء السعودية خلال الأحداث المهمة التي تعنى بها بلادنا.. مثل الأحداث الأخيرة على الحدود السعودية اليمنية، وكيفية تعاملها معها، فهي تنقلها حرفيا كما يصرح بها المسؤول أو يصدر من موقع الحدث، لتكون ناقلا.. وليس أكثر؟! لا يزيد على الخبر إلا بالإنشائيات الجاهزة التي تستلهم التاريخ والمدائح التي باتت لا تتسق مع عصرنا الإعلامي الجاري.. حقيقة لم نجد وكالتنا صانعة للخبر قادرة على كشف القصص والتنبؤ بالأحداث من خلال مصادرها ومراسليها، رغم أنها من ضمن أكبر شبكة مكاتب لوكالة حكومية رسمية في العالم.
دعوني أكن أكثر دقة وليسمح لي الإخوة الأعزاء في صحيفة سبق الإلكترونية أن أضرب بهم مثلا، وهي الصحيفة التي أتوقع أن لا تزيد ميزانيتها عن الثلاثة ملايين سنويا مقارنة بالضخمة جدا واس، الأولى تنحت الصخر للظفر بالأخبار والأحداث من خلال مواقع الحدث في اليمن ونجران وجازان، وحتى من خلال مواقع أخرى وتقدمها بشكل مثير يجعل منها محل استشهاد، والأخيرة فقط صدى لما يصدر عن المسؤولين والدوائر الحكومية، مع أن لديها فرصا كبيرة لتقود العمل الإعلامي في هذا الشأن المهم الذي يتابعه العالم.
المطلوب من وكالة الأنباء السعودية أن تنفض غبار التقليدية التي هي عليها، سواء بكيفية كتابة أخبارها وصياغتها أو بما يجعلها تلعب دور الصوت الذي يسبق الصدى، لا أن تستمر بكونها الصدى فقط؟ لكن لن نلومها مادام أنها مستمرة تحت مظلة بيروقراطية تقليدية، لأنها قد تنكشف حين تريد التحرر نحو عمل إعلامي أفضل.