إذا كان أعضاء داعش يدعون ولادة دولة العراق والشام فكيف تجني هذه الدولة مكاسب السيادة، مثل منح القروض، وتحديد الشراكات.. إلخ، وهل حققت جميع الشروط لقيام دولة ذات سيادة؟

هل تعد الدولة الإسلامية l’État islamique واختصارا (EI)، حقا دولة كما تدعي؟ أم أنها شكل جديد من السيادة الإمبراطورية التي تهيمن على مجموعة شعوب ودول باستخدام القوة وأحيانا باستخدام النفوذ والتأثير؟
منذ ظهوره الرسمي في 29 يونيو 2014، أصبح هذا التنظيم الذي يعرف اختصارا بـداعش، محور الاهتمام في مشهد الشرق الأوسط، ويرجع ذلك أساسا إلى طريقته في قطع رؤوس غربيين يرتدون زي سجناء جوانتانامو، وإلى خطابه المفرط في العنف، وتورطه في تحطيم الآثار ودخوله في مواجهة مع تحالف غربي جديد. وسرعان ما صنعت القراءة الإعلامية بطل روايتها الجديد وأعادت تعريف مفهوم التنظيم السياسي على المستويين المحلي والإقليمي، لتتحول خريطة الشرق الأوسط كلها إلى نقاط دخول من أجل تحليل ظاهرة استثنائية إلى حد ما في مجال السياسة.
يسمح لنا ظهورالدولة الإسلامية في العراق، ثم اختيار اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ومؤخرا الدولة الإسلامية فقط بتعريف هذه الدولة. ماذا تريد هذه الدولة التي أعقبت الثورات العربية؟ يحدثنا ماثيو ري، أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربي في مؤسسة كوليج دو فرانس في باريس، عن ثلاث فرضيات لفهم هذه الظاهرة الجديدة. أولا: ربط هذا النوع من التشدد بالتاريخ المعاصر للحركات الاحتجاجية التي ولدت بعد حرب 2003 في العراق. يصادف هذا التاريخ التقاء عدد من التطورات المعاصرة. ثانيا: أدى التغير المكاني للسلطة إلى استبدال الأراضي مقابل مركز مهيمن ومنتصر. وأخيرا، الاستيلاء على ذخيرة جديدة من قبل شرائح مختلفة من السكان المحليين منذ 2011.
يمكننا إجراء العديد من المقارنات بين العراق وسورية في الدراسات التاريخية والسياسية، بسبب الفسيفساء العرقية والطائفية المعقدة التي تتميز بها هذه المنطقة، بالإضافة إلى التراث العثماني ومرحلة الانتداب المشتركة، وتقسيمها في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى عن طريق القوى الأوروبية، وهيمنة النظام البعثي عليها منذ السبعينيات 1970. تباعدت مسارات سورية والعراق خلال الفترة (1990-2000)، وفي العراق لم يسمح الصراع الطويل مع إيران (1980-1988) لنظام صدام حسين بتثبيت سلطته. على العكس من ذلك، فقد استنفد الصراع الاحتياطيات المالية، وتفاقمت القراءة الطائفية للمجتمع العراقي من قبل السلطة وعجلت الإدارة العقابية القمعية من الخلافات الداخلية. في1991، وبعد هزيمة عاصفة الصحراء، غير النظام العراقي طريقة إدارته للدولة حيث تحول إلى سلطة سنية وبدأ حملة قمع كبيرة ضد السكان المتمردين من الأكراد والشيعة، ليحكم صدام قبضته على المجتمع عبر آليات جديدة: دعم القبائل التي تعهدت بالولاء له، وإدارة المجال الاقتصادي الذي يسيطر عليه الحصار الدولي، وإعادة رسم مجالات السيادة العراقية بعد فرض قوات التحالف حظر الطيران في نهاية فبراير 1991، في منطقة كردستان شمالاً التي يقطن بها الأكراد، وجنوب العراق الذي يقطن به السكان الشيعة. في ظل هذا التحول، توجب على الغالبية العظمى من السكان الموافقة على العمل مع المؤسسات الجديدة، سواء كانت قبلية أو على مقربة من الحزب الرئاسي، على أمل الوصول إلى الموارد المحدودة بسبب الحصار. في هذا السياق، اجتاحت القوات الأميركية، بغداد في 2003، وحطمت مراكز القوى بعد عدة أسابيع من القتال. وفي سورية، طبعت تسعينيات القرن العشرين بشيخوخة وجمود السلطة السادية. طالب الديكتاتور مواطنيه بطاعة عمياء، بناء على موافقة ضمنية وليس على قبول صريح. في عهد بشار الأسد، لوحظ بعض التغييرات في ميزان القوى التي شكلت خلفية لثورة 2011: الإدارة الاستبدادية والشخصية للسلطة، سرعة زوال ربيع دمشق الذي شهدت فيه سورية انفتاحا سياسيا وفكريا واجتماعيا امتد لفترة زمنية قصيرة منذ 17 يوليو عام 2000، وهو تاريخ أول خطاب لبشار بعد توليه المنصب، حتى تاريخ 17 فبراير 2001، عندما قامت أجهزة الأمن بتجميد نشاط المنتديات الفكرية والثقافية والسياسية، كان ربيع دمشق فرصة رأى فيها الكثيرون طريقا نحو التغيير الديموقراطي بالتوافق بين السلطة والمجتمع، ما قد يجنب البلاد الكثير من العثرات، لا سيما مع وجود معارضة سورية، وطنية، تؤمن بالتغيير السلمي والتدريجي.
لقد أظهر الاستيلاء على بغداد واستبداد الرئيس الشاب في دمشق الضعف المتأصل في النظم البعثية. بين عامي 2004 و2012، بدأت الدولة الإسلامية بالنمو وانضمام مقاتلين أجانب وعناصر قبلية إلى الجهاد. وبين عامي 2009 و2013، بدأ زرع أعضاء التنظيم في الأراضي السورية حتى أعلن قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام ونُصب أبو بكر البغدادي خليفة لها في 29 يونيو 2014. واليوم بعد مرور عام على هذا الإعلان، أصبحت هناك خريطة أخرى للشرق الأوسط، تظهر فيها الدولة الإسلامية كقطعة كبيرة بين مناطق الصراع الدموي في سورية والعراق حيث كانت السيطرة على الأراضي تنطوي على القضاء على أي سلطة منافسة.
تعارضت صدمة أشرطة الفيديو، والاستخدام المكثف لوسائل الإعلام الاجتماعية، والتحكم بالمعلومات والصور إلى حد ما مع بيئة مراكز القيادة وقدرتها على إنتاج مثل هذا الخطاب والإدارة المسؤولة عن الدعاية والإعلان لجذب مجندين جدد وبث صورة إعلامية جيدة عن نجاحات التنظيم. توضح طريقة البث قدرة التنظيم على التكيف مع السياق المتغير. وجد StaffanTruvé، وهو باحث في شركة تقنية للإنترنت تسمى Recorded Future، أن عدد التغريدات الإيجابية عن التنظيم في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، بلغت 27.000 تغريدة من 18 أغسطس إلى 3 سبتمبر الماضي أي بنسبة 11% من عدد تغريدات تويتر مقارنة بنسبة 13% تغريدة عن فرنسا و10% عن الصين. تطرح مسألة الدولة كشكل سيادي عبر الحدود وسهولة تنقل أعضاء التنظيم بين الحدود ووضعية الانتشار في الأراضي الخاضعة لسيطرته. هنالك ستة شروط لقيام دولة ذات سيادة:
1-يجب أن يكون سكان الدولة ثابتين، أي أن إقامتهم دائمة، تجدر الإشارة إلى أنه يوجد في كل دولة سكان مقيمون لفترة محددة. 2-امتلاك مساحة جغرافية كافية لإقامة دولة تضم المياه الإقليمية والمجال الجوي للدولة، ويجب أن تكون أراضي الدولة محددة ومعروفة لتمييزها عن أراضي الدول الأخرى، وداعش اليوم تستولي على 81.000 ميل مربع، أي ما يقارب مساحة المملكة المتحدة التي تبلغ 80.695 ميل مربع. 3-الحدود: يجب أن يكون لكل دولة حدود تفصلها عن الدول المجاورة، 4-السلطة والحكم: هي المؤسسة المسؤولة عن إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية. 5-السيادة الاستقلالية: وتعني القدرة على اتخاذ القرارات وإدارة كافة شؤون الدولة بشكل حر ومستقل دون أي تدخل من أطراف خارجية. 6-الاعتراف الدولي: أي اعتراف جميع دول العالم بسيادة الدولة الجديدة وسلطتها، ويظهر هذا الاعتراف من خلال إقامة علاقات اقتصادية وثقافية ودبلوماسية تبادل السفراء بين الدول.
فإذا كان أعضاء الدولة الإسلامية يدعون ولادة دولة العراق والشام فكيف تجني هذه الدولة مكاسب السيادة، مثل منح القروض، وتحديد الشراكات...إلخ. وهل حققت جميع الشروط الآنفة الذكر؟ إن الدولة الإسلامية هي أقرب ما تكون إلى شكل سياسي خارج عن الدولة أو ما بعد الدولة التي تعبر عن وجود أزمة داخلها.