طوال عقود من الزمن والمسؤول لا يعرف عن الكاميرا إلا الجانب الإيجابي الذي يُظهره للجمهور بصورة مثالية، بل كانت هناك حالة عشق بين بعض المسؤولين وعدسات المصورين؛ لأن الفلاشات في نظرهم لا تأتي إلا بخير، أما اليوم فتبدل الحال، وأصبح عشاق الفلاشات يخشون تلك العدسات التي كشرت عن أنيابها، وأظهرت لهم جانبا آخر لم يعهدوه عنها، فباتت تلتقط صورا للواقع الحقيقي للمسؤول دون رتوش، وتُظهره وهو يصرخ في وجه مواطن، أو يطرد موظفا من مكتبه دون أن يعلم أن هذه الآلة التي أظهرته طوال السنوات الماضية مسؤولا مثاليا، تترصد له اليوم، وربما تعجل بمغادرته كرسيّه الوثير.
لعل بعض المسؤولين يفكر الآن في خطة لتجريد المراجعين والموظفين من أجهزتهم النقالة قبل ولوجهم إلى إدارته ليسلم من عدساتها، وبما أن الهاتف النقال أصبح من الضروريات التي لا يمكن أن يتخلى عنها أصحابها بسهولة، فعلى المسؤول التفكير في حل آخر يستطيع خلاله أن يكسب وُدّ الكاميرا، والحل -في نظري- يكمن في أن يراجع نفسه وتصرفاته، ويُعامل المراجعين والموظفين في إدارته بكل احترام وتقدير، وبذلك لن يحتاج المراجع إلى عدسة هاتفه، ولن يخشى المسؤول منها، فهي وإن التقطت شيئا فستكون تلك المقاطع شاهدة له لا عليه.
إن فكرة توثيق تعامل الموظفين مع المراجعين فكرة قديمة يُعمل بها في القطاع الخاص منذ زمن، وبدأت هذه الفكرة بتسجيل المكالمات التي تكون بين عملاء الشركات والمستفيدين من أجل جودة الخدمة، ولعلكم تتذكرون العبارة الشهيرة التي لا يزال صداها يصدح في آذاننا عزيزي العميل سيتم تسجيل المكالمة من أجل ضمان جودة الخدمة.
هذا التوثيق جعل موظفي تلك الشركات في غاية الاحترام في تعاملهم مع المستفيدين، وتطورت الفكرة لتصل إلى تسليط الكاميرات على مكاتب الموظفين الذين يستقبلون المراجعين، مما أسهم في تحسين مستوى الخدمة، وضمان عدم ترك الموظف مكتبه، وتكدس المراجعين أمامه، فلماذا يخشى القطاع الحكومي من الكاميرات بينما القطاع الخاص يسخرها لتجويد خدمة العملاء؟!