حضر مسلسل سيلفي بموضوعات ومضامين تفاوتت على انعكاساتها مستويات التفاعل، إلا أن البداية بقيت لافتة، لأننا نأخذ انطباعا كبيرا عن هوية الشيء حينما ننظر إليه لأول مرة، وذلك التجسيد أصاب المتطرفين في مقتل، لأن أبغض ما يراه الإنسان أن يصدم بسوئه ويراه متمثلا أمامه.
هناك كثير من الأوراق المكشوفة عن المتطرفين أثبتتها المواقف، ولاحظها الناس بفضل تزايد الوعي، لكن المشكلة في أن هذا التيار وضع لنفسه أرضية خصبة من الجماهير، تكونت في شكل ثقافة تراكمية عاشت رواسبها في اللاشعور لدى الفئة الغالبة، فصنعوا من الناس أتباعا ينظرون إليهم بعين التقديس، بينما لا يشبههم أتباعهم في أنماط الحياة وأساليبها، ولا يمتثلون لمبادئهم فيما يتصرفون، إنما يقدسونهم إلى الدرجة التي لا يختلفون فيها عن أتباع الأوثان سيكولوجيا، وهذا يفسره تطرفهم في الدفاع بأبشع الألفاظ وأقساها، وقتالهم عن كل ما يمس هالة التقديس التي وضعوا رموزهم بداخلها كالتماثيل، حتى ولو كانت الطريقة موضوعية أو ساخرة تخدم غرض النقد، وتستعرض الأفكار والمعتقدات العاكسة لمفاهيم الدين الحقيقي، فالتطرف يدور في حلقة تفاعلية بين الشيخ المتطرف والجمهور، باعتبار التطرف الأداة التحريرية للسلوكيات بصرف النظر عن منطلقات الفكر.
نجد الجمهور محجوزا نفسيا بمفاهيم خاطئة استقاها من الثقافة وتصور أنها الدين، ولا يدرك الاختزال المتعمد لقيم الدين الروحية في أشخاص وشكليات محددة أخذت نمطيتها من التعسف والاستغلال والتسلط، وهذا ما يجعل تنزيه التطرف الديني هو السبيل الذي يبقي عليهم أمنهم النفسي، والذي يشعرهم ببقاء الدين في محيط وعيهم، وكأن شيوخهم يتدينون بدلا عنهم، حتى أصبحت فكرة الاعتدال تعني تمييع الدين وتهميشه.
هناك كثير من الأفكار يتعامل معها الإنسان بكيفية اكتسابه لها من الصغر، إلى حد يغفل فيه عن اكتشاف نفسه، فلا يستعرضها ويناقشها، لكنه يجد حين ذاك أنه مليء بالتناقضات، وأن تصرفاته لا تنطبق مع ما يريد أو يختار من ذاته، وكأنه يتصرف بطريقة لا تعبر عن أفكاره النابعة من نفسه الحقيقية، وحينما يجد أن التفكير عبء عليه سيردد ما يملى في وعيه ويختزنه اللاوعي كمحرك ودافع لتصرفاته، وما يظن أنه يجب عليه فعله كلما تطلب منه الأمر تسجيل موقف.
حينما نقابل السلوكيات الخاطئة في تطبيق الدين بتجسيدها في المشاهد أو الكتابة عنها في الصحف أو نقدها في البرامج، فهذا لا يعني انتقاصا من الدين، إنما رفعة لسماحته وعدله ممن أساءوا تطبيقه، لأن الدين لا يتمثل في مدرسة أو أشخاص أو جماعة، إنما هو منهج رباني ويبقى النقص في تطبيقه.