متأكد حد اليقين أن الفرنسي لويس داجير حين اخترع الكاميرا لم يكن يقصد أكثر من مساعدة الناس على توثيق ذكرياتهم والاحتفاظ بلقطاتهم الثمينة، وواثق بأنه لم يكن بعيد النظر للحد الذي كان يظنها ستستخدم في يوم ما كـسلاح.. فقد تطور الأمر لتصبح الكاميرا سلاحا فتاكا حين تتوجه عدستها صوب حادثة دراماتيكية تعقبها قرارات إقالة أو مساءلة أو تشكيل لجنة لتقصي الحقائق أو حتى لسن قوانين جديدة ولتغليظ عقوبات مخففة!
في بلد بعيد اُستخدم سلاح الكاميرا لمحاربة ظاهرة الرشوة التي انتشرت دون رادع، تكفل المواطنون بتوثيق لقطات استلام الرشاوى من قبل الموظفين، ثم نشرها على مواقع الإنترنت، ما دفع بالسلطات هناك لإيقاف كل المتهمين في تلك المقاطع وتفعيل عقوبة الرشوة بشكل واسع، وهو الأمر الذي قلص تلك الظاهرة بشكل ملحوظ، ما دعا أحد المرتشين السابقين للقول: لن تنجح الرشوة هنا إلا في الظلام!
محليا وفي أسبوع واحد فقط نقل سلاح الكاميرا أربعة مشاهد على الأقل من داخل دوائر حكومية ومستشفيات حكومية وأهلية، وثقت لقطاتها كمية كبرى من الإهمال والتقصير وسوء استخدام الصلاحيات وطرد مراجعين وموظفين، هذه المقاطع طافت على كافة برامج التواصل الاجتماعي ما جعل الكاميرا تصبح أداة عقوبة أيضا في العالم الافتراضي، حين شهرّت بأبطال المقاطع كعقوبة أولى قبل أن تطالهم العقوبات القانونية الأخرى!
في حوادث عدة فازت الكاميرا بدور البطولة حين نقلت حوادث إهمال وتقصير وسوء استخدام سلطة بالتفصيل وهو الدور الذي ظل غائبا في آلاف الحكايات المشابهة الأخرى التي تأتي على شكل روايات مبتورة تسقط مصداقيتها لعدم توفر العدد الكافي من الشهود مرة، ولعلل الجرح والتعديل في مرات أخرى، انتصرت الكاميرا رغم محاولات المتهمين ملء وسائل الإعلام ببيانات تلطيف الأجواء وتمييع القضايا، تفوقت الكاميرا حتى والتبريرات تتوزع في كل وسائل التواصل الاجتماعي!
آخر الأسئلة التي تزور رأسي الآن هو أي حدس ونبوءة يتمتع به المصور حين يجعل الكاميرا على أهبة الاستعداد؟ أم أن المواقف المشابهة السابقة زودته بالخبرة اللازمة؟