الأمل أن تتبنى الحكومة إصدار نظام يحمي الوحدة الوطنية دون الرجوع إلى مجلس الشورى إذا كان لا يستطيع تفهم ضرورة مثل هذا النظام، أو تولي هذه المهمة
بداية لا نستطيع الجزم بأن مجلس الشورى لم يقدم في تاريخه الكامل أي خطوات إيجابية تجاه الوطن والمواطنين، بل كانت هناك بعض التوصيات والمحاولات التي تطرح من وقت لآخر حركت الماء الراكد حول بعض الموضوعات، وأحرجت العقول التي اعتادت الثبات والطبطبة على المواجع، وإخفاءها تحت ركام من التبريرات مثلغير ممكن وغير ضروري.
وسواء قوبلت مثل هذه التوصيات المهمة والضرورية بالرفض أو القبول فإنها على الأقل ساعدت المجتمع على التوقف لوهلة للنظر في أولوياته التي يهتم بها مجلس الشورى، وأظهرت لنا الوجه الآخر لأصحاب التوصيات أو الرافضين والمؤيدين لها، وخلقت لدى المواطن البسيط الذي يعلق آمالا كبيرة على هذا المجلس تساؤلات وآراء تساعده كثيرا على رفع وعي الناس باحتياجاتهم ومطالبهم.
ما حدث من جدل –ولا يزال– وشعور بالخيبة إثر رفض مجلس الشورى في إحدى جلساته الأخيرة بالأغلبية لثلاثة مقترحات لتشريع نظام للوحدة الوطنية، كان قضية من أحد أهم القضايا المحلية المتداولة مؤخرا، وكان هذا الرفض بالأغلبية له ما يبرره لدى الرافضين كالقول: إن الوحدة الوطنية توافق على مشروع تذوب فيه الهويات والانتماءات الصغرى التي قد تؤثر سلبا على جدار الوحدة وإن الموافقة على هذا المقترح يمثل تشكيكا في إجراءاتنا وأنظمتنا ويؤكد للعالم بأننا كنا على خطأ في السابق وإن النظام سوف يسبب التشويش على أنظمتنا وعلينا العودة إلى القرآن الكريم وهو دستورنا ودستور بلادنا، ورأي آخر يشير إلى أن هذا النظام هو اعتداء على النظام الأساسي للحكم وأنه انحراف وعبث ولا يرتقي إلى مستوى نظام وغيرها من التبريرات التي تنقل من يقرأها من الشعور بالحيرة إلى الضحك والتعجب.
ولأننا لم نطلع على هذه المقترحات الثلاثة وتفصيلاتها التي رأى فيها بعض الأعضاء تجاوزا على دستورنا الأول في التشريع القرآن الكريم وتعارضا مع النظام الأساسي للحكم، فسنحسن الظن كالعادة ونقول: إنه ربما مثل هذا القرار المهم والذي يحتاجه الوطن ومن فيه من مواطنين ومقيمين ليس من صلاحيات مجلس الشورى البت فيه، بل ينبغي أن يكون صادرا من الحكومة، وأنه ربما على الأعضاء المعارضين الكرام تفهم أن تبني أنظمة وتشريعات جديدة تصب في صالح الوطن لا تعد في أي حال من الأحوال تعديا على مصدرنا التشريعي الأول، ولا تجاوزا للأنظمة في نظام الحكم الرئيسي، ولا تعتبر في عالم متغير ويحتاج للتجديد بما يتواكب مع معطياته نوعا العبث أو الإدانة لما سبق العمل به سنوات طوال ولم يصبح كافيا وحده في الوقت الحالي، بل إن العجز عن التطور والتغيير ولو على مستوى الأنظمة وسن القوانين المناسبة مع كل زمان ومكان هو العبث الحقيقي، والتخاذل المخزي في محاولات الحفاظ على الوطن وأمنه وسلامه.
وسأتوقف قليلا عند إحدى النقاط التي احتج بها بعض المعترضين على مقترحات الوحدة الوطنية، وهي أن فيها تعارضا مع النظام الأساسي للحكم: ففي الباب الثالث لنظام الحكم الأساسي تحت بند مقومات المجتمع السعودي تنص المادة 12 -والتي تحجج بها بعض معارضي مقترح نظام الوحدة الوطنية- على أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام.
وهنا يتبادر إلى الذهن سريعا تساؤل عن ماهية السبل التي وضعتها الدولة لمنع ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام؟ صحيح أن تعزيز هذه الوحدة الوطنية واجب تحرص عليه منذ تأسيسها، لكن الظروف المحيطة والأوضاع الأمنية والسياسية وغيرها في دول الجوار وظهور كثير من التنظيمات الحزبية والإرهابية حولنا مع ما يوجد ممن يواليها بالداخل ويتحين الفرص للنيل من أمن وسلام الوطن، تحتم وجود مثل هذا النظام.
وهذا لن يتحقق إلا بوجود قانون واضح وصريح يجرم كل ما من شأنه المساس بهذه الوحدة من تطاول على الأديان والمذاهب والأشخاص بوصفهم الإنساني البحت لا القبلي أو الوظيفي أو الرياضي وغيرها.
وبالعودة للنظام الأساسي للحكم أيضا في إحدى مواده في الباب الخامس تحت بند الحقوق والواجبات تنص المادة 39 على أن تلتزم وسائل الإعلام والنشر، وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة والانقسام أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك.
كتبت هذه المادة عام 1992 أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي يمكن أن تدرج تحت عبارة وسائل التعبير، وجميعنا يعلم كيف تعتبر هذه الوسائل أرضا خصبة لما يؤدي إلى الأمور التي حذرت منها هذه المادة من تبادل الشتائم والتهم والتعدي على حريات الناس والتطاول عليهم، مع ما تقترفه بعض الوسائل التقليدية من إثارة للنعرات القبلية أو التحريض الطائفي العلني أو التخوين للآخرين.
وكلها تصرفات تتعارض مع هذه المادة التي يمكن فقط لمن حدث له ضرر أن يتقدم بالشكوى ومحاكمة المعتدي حسب نظام جرائم المعلومات، ولكن قبل هذا أليس من الأولى أن يكون هناك قانون واضح وصارم يعلم به الجميع، ويخشى تجاوزه قبل أن يبدأ التحريض أو الشتم أو التطاول على أمن الوطن أو تخوين الآخرين؟ لو وجد نظام بقوانين لا لبس حولها وعقوبات صارمة لأي متجاوز لسور الوحدة الوطنية، لما وجدنا مثلا من يغرد عبر حسابه في تويتر بكل طمأنينة مكفرا هذا، أو شاتما ذاك، أو متحدثا بطائفية عن مدينته كدولة داخل دولة، أو ملغيا إنسانية الآخرين ووطنيتهم وتدينهم تحت أي صفة.
إن كان مجلس الشورى لا يستطيع تفهم ضرورة مثل هذا النظام، أو تولي مثل هذه الشؤون المهمة، فإن الأمل أن تتبنى الحكومة هذه الأمور دون الرجوع إليه، وهي القادرة على أن تستصدر ما يحمي الوحدة الوطنية ويتفق مع سياسية الدولة وتشريعها وتمنحه مسماه وتوصيفه المناسب.
إن خشية قيام نظام أو قانون يحمي وحدة الوطن من خلال ضبط تصرفات المواطنين والمقيمين المتعدية على القيم الإسلامية التي ضمنت الحرية والمساواة والعدل للجميع وقام عليها نظام الحكم السعودي أمر لن يخشاه إلا جاهل بحقيقة ما يهدد وطننا، وما قد نواجهه لو استمر التمادي في التغاضي عما يسبب شرخا في جدار الوطن، أو أن يكون متخندقا خلف أهداف حزبية خفية تحور الأمور لمصالحها الخاصة.