التفاعل مع أي عمل إبداعي ونقده أمر محمود ويدل على حالة وعي عام، ولكن عندما يتحول هذا التفاعل إلى ساحات شتائم بأقذع الألفاظ فهو أبلغ دليل على أن مسيري النقد ليسوا أصحاب وعي بل أهل أهواء على الأرجح.
الغريب هنا أن تجد تلك العواصف الشتائمية تظهر بشكل أكبر في شهر الرحمة والغفران شهر رمضان المبارك أكثر من غيره، والسبب الأول هو عمل فني أراد إيصال رسالة واضحة حول بعض الممارسات الفكرية والاجتماعية التي لا تعمم على الفئة المقصودة بالعمل الفني، ولكنها تريد الإشارة إلى حالات موجودة وواقعية لا يستطيع أحد إنكار وجودها.
أعتقد جازما أن الخلل الأساسي الذي يجرنا كل عام إلى مثل هذه الجدالات العقيمة التي تتطور بشكل مخيف حتى تصل إلى دعوات القتل، هو خلل فهمنا لطبيعة العمل (الإبداعي/الفني) ووسائله في النقد، فمن المعروف أن الأعمال الإبداعية والفنية عادة ما تبحث عن الجوانب المظلمة في الحياة التي تكون من أسباب مشكلات البشر وصراعاتهم الهمجية، والرسالة في ذلك هي التحذير من أي ممارسة اجتماعية أو ثقافية قد تكون أقرب إلى الإضرار بالإنسان والشقاء في حياته.
ولذلك لا يمكن اعتبار موضوع العمل الفني ـ بأي شكل من الأشكال ـ انتقاصا من الفئة الاجتماعية المستهدفة بشكل عام، بل هو غالبا ما يناقش بعض الحالات السلبية التي تدخل تحت رداء أشمل.
وبدلا من توزيع التهم والشتائم لمن يقوم على إنتاج وبث هذه الأعمال المثيرة للجدل، لو أننا فتحنا نقاشا شفافا وصريحا، حول صحة ومدى وجود الظاهرة التي ناقشها العمل الفني، لكنا خرجنا بنقد علمي لا ينتقص من الأشخاص بقدر ما يكشف مستوى أعمالهم.
المشكلة الأكبر هنا أن يتزعم حملات الشتم والردح من يعتبرهم المجتمع رموزا له وربما قدوات، فعندها تظهر ثقافة القطيع بأوضح صورها، فيشارك حتى أولئك الذين لم يسبق لهم أن شاهدوا عملا فنيا واحدا، فما بالك بأن يعرفوا رسالته وهدفه. وبدلا من أن ننظر لمشكلاتنا بصدق نحاول تبريرها والالتفاف عليها، ثم نتساءل غدا: لماذا وصلنا إلى هذه الحال من البؤس العربي؟