جاءت كتارا القطرية بما لم ترغبه روايتنا السعودية، وأسفرت النتائج عن عدم ترشح أي من الأعمال الروائية السعودية للقائمة النهائية المقرة من لجنة التحكيم، ولقد أعلنت النتيجة الختامية وانقضى الأمر.
أستند إلى هذا الخبر غير الجديد بالطبع للوصول إلى مناقشة تلكم المعادلة الطردية بين عدد الروايات السعودية الصادرة سنويا –وهو عدد كبير- وبين الأثر الإبداعي أو الثقافي أو حتى على صعيد الفوز بالجوائز والمنافسات الكبرى.
تلكم المعادلة لن تسرنا نهايتها لأن حجم المفقود أكبر من المتحصّل عليه، ولعل الزائرين لمعرض الرياض الدولي للكتاب في دورته المنصرمة لفت انتباههم تزاحم الرفوف بالروايات السعودية، والنتاج الغزير –لا أقول الثري- للمصنفات السردية التي تدعي انتماءها إلى الحالة الإبداعية فيما الأخيرة من تلكم الأوراق وما حملته براء.
لا يمكنني التصور أن كل هؤلاء مبدعون! كل تلكم الأسماء ترى أنها دخلت الحالة الإبداعية بمثل ما نراه ورأيناه من اصطفاف الحواديت، والمواقف المصطنعة الوقتية أحيانا، والضعف اللغوي، والفقر الفني، وسوء السبك والإعمار، وتخلخل الصورة، ورثاثة المظهر العام!
ماذا لو كان كل أولئك مبدعين حقا؟ إذن لغزونا نوبل الآداب ونحن على الآرائك متكئون نحتسي الشاي، ولا يضيرنا من ينافسنا!
عالم الكتابة الإبداعية ليس مستحيلا، لكنه من الصعوبة في درجات عليا، ناهيك عن مسألة الاختلاف والقدرة على استجلاب المغاير، والولوج إلى عوالم متنوعة لها مكنوناتها، وأنظمتها غير التقليدية المعتبرة.
لقد بهرتنا وما تزال أعمال روائية عالمية وعربية عديدة، وصرنا نستحضرها دوما حال الحديث عن الإبداع الروائي، ترى ما السبب الذي يجعل أثرها ممتدا؟ إن كثيرا منها كان لها الدور الأهم في صياغة حياة الناس وطرائق تعاملهم مع الأنظمة والقوانين.
لنسأل الكتاب المحبوسين ضمن النتاج الإبداعي الأوحد: لمَ لم يكرروا التجربة على المدى القريب؟ وما الحاجز العنيد بينهم وبين كتابة عمل آخر؟ ستجد الجواب أن الأمر لم يكن سهلا -ألبتة- وأن فعل الكتابة المؤسس على الفنية هو فعل مؤلم، وأن مسألة النسج والتشييد والإعمار السردي تقتضي القدرة الخاصة على الانعتاق عن المشهود، والارتفاع إلى غير المنظور ولا المعقول أحيانا، هي حالة وجدانية لا تحدث كل وقت على الرغم من أن معطياتها داخل الوقت وبين الناس، لكنها حين تحدث، فإن شعورا يخالج المبدع بأنه تسامى فيزيائيا إلى حالة أخرى يمكن تشبيهها بالريشة الطائرة التي ما تفتأ تلون الأمكنة والفضاءات، ثم تعود لتنغمس في الواقع لتكمل اللوحة النفيسة.