استأثر مقالي ما قبل الأمس عن أبها واليباب الثقافي بهجمة مضادة من نيران صديقة وكلها سهام في قلب الفكرة ترى أن المقال قد أهمل أو تناسى، عمدا أو قصدا، مجلسا ثقافيا عملاقا مثل مجلس ألمع الثقافي. من هو الكاتب الذي يجرؤ على إهمال أو نسيان كتلة ألمع الثقافية التي قال عنها ذات يوم صديقنا الغالي الشاعر أحمد عبدالله عسيري... (لو أقفلت عقبة الصماء لأقفلت 90% من جداول الفكر والثقافة في منطقة عسير..)، ومن هو الذي سيجرؤ على إهمال العتب الناعمة لإبراهيم طالع أو صاروخ النقد الخشن للمتألق الآخر، علي فايع.
هنا استدراك ما لا يمكن أن يترك: أولا، لم يكن مقالي ما قبل الأمس في أي وجه من الوجوه، نقدا ولا انتقاصا من كل مؤسسات العمل الثقافي الرسمية سواء في النادي الأدبي أو جمعية الثقافة والفنون أو حتى مهرجانات الصيف والشتاء المحتشدة ببرامج كثيفة في العملين الإبداعي والثقافي. مقالي كان يشكو ندرة المبادرات للصوالين والمجالس الثقافية الخاصة التي قد تفتح أمامنا مسارات نقاش جادة تساهم في دعم وتعضيد مؤسسات العمل الثقافي الرسمي.
مقالي كان يشكو ضعف رجال الأعمال أو حتى أساتذة الجامعة القادرين على فتح هذه المجالس والصوالين كما يحدث في معظم الحواضر السعودية. ثانياً، كان المقال يشكو جفاف هذه المدينة في المبادرات الثقافية من الأفراد ومن القطاع الخاص. سأقول هنا بكل وضوح إنني أحتاج لما يقرب الساعتين كي أصل إلى قلب نشاط مجلس ألمع الثقافي وهذه رحلة شاقة يصعب معها على عشرات مثقفي هذه المدينة الانتظام الأسبوعي. لكن كل هذا لن يمنعنا من الانحياز للحقيقة إن قلنا إن مجلس ألمع الثقافي هو المجلس أو الصالون الثقافي الوحيد في كل خريطة هذا البلد الذي لا يتبع أهواء مؤسسة ولا يعود في شيء لـبطركية فرد أو منظومة تصبغه بلباسها الفكري وتوجهاتها الثقافية. هو مجلس القاع الثقافي المفتوح بكل الآراء والأفكار، هو ذات المجلس الذي ذهبت إليه محاضرا قبل أشهر قليلة ثم وجدت فيه مناخا من الحرية الهائلة التي عبرت فيها عن أفكاري بطيف واسع من الخيال دون قيد أو شرط، وهذا ما قد لا تحتمله مؤسسات العمل الثقافي الرسمي. مجلس ألمع الثقافي، وبالتصوير الذي يصعب فهمه على الأجيال الصاعدة الجديدة، لا يشبه إلا مجلس الجماعة في تراث القرى الجبلية العسيرية حين يلتقون حول جذع شجرة التالقة ليقول كل فرد من الجماعة كلمته ويصرخ برأيه دون خوف من الطبقية الاجتماعية ودون وجل من الحساب المجتمعي.