أنا لا أكتب اليوم مقالا عن الرياضة، فهذا مجال خارج نطاق الاختصاص. لكنني سأتخذ من الأسطورة الهائلة محمد نور جسرا للوصول إلى رسم توصيفي لمئات المسؤولين الذين انتهوا تماما مثل نهاياته المؤلمة القاسية ولا زالوا يتشبثون بالكراسي ويعتقدون، مثله، بالوهم، أنه ما زال في جعبتهم شيئا ليقدموه. سنبدأ التمهيد لفكرة الربط ما بين نهايات محمد نور وبين نهايات مئات الديناصورات الإدارية في مكاتبنا الحكومية المختلفة: بالنسبة لي، ورغم ميولي الأهلاوية الخالصة، يبقى محمد نور أروع أيقونة سعودية لن تتكرر أبدا في المنطقة الخضراء حول دائرة الملعب. هو الأسطورة الكروية الوحيدة التي تستطيع أن تهز عرش ماجد عبدالله وأن تقسم رأس مثلث الهرم إلى مجرد التصويت على اثنين. لكنني شعرت بالحزن الشديد حين شاهدته في الظهور الأخير وهو يسحب رجليه ليترك ناديه يتلقى وطأة الهزيمة بالأربعة. شعرت بالحزن لأن إدارة ناديه نفسها قررت أن تكشف نهاياته أمام الجمهور كي يرحل من الذائقة بهذا الشكل المتواضع كي تمسح محمد نور من عيون الملايين التي طالما زرع لها الفرح وحمل إليها عشرات البطولات والكؤوس.
مشكلة محمد نور هي ذاتها مشكلة مئات المسؤولين في شتى إداراتنا التنفيذية من أولئك الذين لم يستطيعوا أن يتخذوا قرار الرحيل في اللحظة المناسبة. أغراهم بريق المنصب ووهج الكرسي الدوار عن قطف الوردة الحمراء ثم الاعتزال في اللحظة المناسبة. أشباه محمد نور هم كل ما يلي: صاحب المعالي الذي أخذ وزارته من محطات الفشل الذريع إلى قمة النجاح، ولكنه عندما وصل إلى الذروة العليا لم يترك المكان إلى الذي يليه ولهذا واصل دون أن يعلم، يعالج عشرات مشاريعه المتعثرة دون القدرة على ابتكار مشروع جديد. هو صاحب المعالي، مدير الجامعة، الذي بنى جامعة ناشئة من الصفر لكنه كان أجبن من اتخاذ قرار الاعتزال وروح التغيير حتى بعد تخريج الدفعة الرابعة من كلية الطب والسادسة من الهندسة، فلا زال يطمح في التمديد لدورة رابعة على رأس إدارة الجامعة. محمد نور، هو شبيه أمين المنطقة أو رئيس البلدية الذي رسم على الأرض ملامح مدينة مكتملة ولكنه بعد الاكتمال المدهش لم يقرر توقيت اللحظة المناسبة للانصراف فبقي بالإصرار في مكتبه ليهدم ويرمم ما بناه في كل ما سبق، محمد نور، هو أنا بالضبط، لأنني لا زلت على إيمان أن الصفحة الأخيرة لن تكتمل إلا بمقالي رغم ولادة أجيال جديدة من الكتاب الذين يستحقون مقالا على يسار الصفحة الأولى من هذه الصحيفة. محمد نور هو الضحية التلقائية للتصفيق والتشجيع الزائف الذي يستهدف مسح صورته التاريخية أمام ذات المدرج. هو ضحية المتآمرين على أسطورته التي يندر أن تتكرر ولهذا أوقعوه في فخ النهاية القاسية: أن يسحب رجليه في الملعب لتسعين دقيقة، وللمرة الوحيدة في عامه الأخير، ثم يودع جمهوره الواسع العريض في مساء الهزيمة بالأربعة مع الرأفة والرحمة، ولكل مسؤول ناجح: درس محمد نور عبرة، بين ذروة النجاح وقمة الهزيمة.