عبدالرحمن عبدالله الفاضل

التدين هو فطرة كل البشر من وجهين: في أصل الخلقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ما من مولود يولد إلا على الفطرة وفي أصل التنشئة كما في تتمة الحديث فأبواه يهودانه أو ينصّرانه، وهذا مبحث شرعي له من يتحدث عنه.
أما التدين باعتباره فعلا ذاتيا اختياريا، فهو مبحث سلوكي نفسي يمكن تقييمه ونقده. وقد كان التدين حالة عامة ترتبط بالدرجة الأولى بالعبادات كالمحافظة على الصلاة فرضا ونفلا والصيام والعمرة والحج وبعض الأحكام الفقهية الحياتية كالحجاب للمرأة. ومع بروز شمس الصحوة تصاعد الوعي الديني وتداخل مع الحياة الاجتماعية، واتخذ شكلا مميزا بسمات متفردة إيجابيا وسلبيا.
وبرز من أداوته التدين الجماعي الذي اختلف اختلافا جذريا عن التدين الفردي، وحمل معه قيما متفردة تتعلق بالمظهر واللبس، وتتعلق كذلك بالاهتمامات التي تتجه نحو العلم الشرعي. واتسمت هذه الحالة في بدايتها بالقوة والمركزية وثبات مخرجاتها حتى وصلت مرحلة النضج والاتساع وفقد المركز، ونشأت على هوامشها حالات فرعية تشابهها في الشكل العام لكنها تتسم بالضعف الإداري وتدني القدرة على ضبط المخرجات.
وكان وضعا مثاليا للاختراق من قبل توجهات تتبنى أجندة مرتبطة بالعنف ظهرت على شكل تأييد الجهاد ثم المشاركة فيه ثم تطبيق أحكامه - كما يرونها - في داخل البلد.
وراح ضحية هذا الاختراق كوكبة من شباب الوطن، تفاوتوا في انخراطهم من التأييد إلى الفعل بل إلى تولي أدوار قيادية.
هنا برزت حالة اجتماعية جديدة يعيشها آباء وأمهات وعوائل هؤلاء الشباب. هي حالة نزاع نفسي بين حبهم لأبنائهم وشعور الانتماء، وبين حالة الرفض للفعل والشعور الأكبر بالانتماء إلى البلد والمجتمع. يعبر هذا النزاع عن نفسه بشعور الأسى على ابنهم الذي يحبونه. وشعور الحنق على من جره إلى هذا الطريق، وشعور الخجل من المجتمع بسبب نتائج الفعل.
ولكل الآباء والأمهات الذين يحملون مشاعر الخوف على أبنائهم يمكن إيجاز عدد من الرسائل قد تسهم في الحماية:
قدموا لأبنائكم قدوة مضيئة في السلوك واحترام الثوابت. حتى لا يكون فريسة لمن يستغل خلل المجتمع ويضخمه ويزرع الرغبة في الانتقام، ازرعوا فيه شعور التدين الاجتماعي الذي يختلط بكل أطياف المجتمع ويتأثر بها، لامسوا مشاعرهم وتواصلوا معهم بشكل مفتوح، وامنحوهم حرية التعبير عن أفكارهم، عززوا هوايتهم وقراءاتهم، ونوعوا مصادر التلقي لديهم، نوعوا مجموعات الأصدقاء واحذروا من الصديق الواحد والمجموعة الواحدة، شجعوهم على العمل بما يناسب أعمارهم، أعطوا قضاياهم الشخصية اهتماما مناسبا، ولا تضايقوه بالتضخيم لأمور تتعلق بالدراسة أو عزلته الاجتماعية، وراعو قدراته ونزعاته السلوكية، استشعروا تغيراته الفكرية وشجعوه على شرحها ونقاشها، تنبهوا إلى رغباته في إخفاء سلوكياته ومعلومات أصدقائه ومحتويات جواله وحاسبه الشخصي، وتعاملوا معها بحكمة.