يأتي دور ديوان المراقبة العامة في مساعدة السلطة التشريعية، وذلك عن طريق إضفاء الثقة والمصداقية على تقارير هذه الجهات التي عهد إليها جزء من المال العام كأحد مواردها بالإضافة إلى أن الرقابة الحكومية تقدم انتقاداً بناءً للنظم الإدارية للاستثمار من أجل تحسينها

تحدثت في المقالة السابقة عن مشكلة الرقابة المالية في الجهات الحكومية، وفي هذه المقالة سوف أتحدث عن هذه المشكلة في المؤسسات والشركات التي تسهم فيها الدولة (مثل شركات سابك والاتصالات والكهرباء ...إلخ) تحت إطار المساءلة العامة وذلك من خلال ديوان المراقبة العامة بصفته الجهاز الأعلى للرقابة في المملكة.
فالدولة تستغل جزءا كبيرا من مواردها وتستثمرها في نشاطات اقتصادية حيوية متعددة مثل: قطاع المصارف أو الاتصالات ، والنقل ، والبترول، أو الكهرباء، الخدمات البريدية،..إلخ، من أجل تحقيق أهداف تنموية، وذلك عن طريق إنشاء مؤسسات اقتصادية أو شركات تكون مملوكة جزئياً أو بالكامل للدولة.
وبالتالي، فإن السلطة التشريعية تطالب هذه المؤسسات والشركات بتقديم حساباتها وتقاريرها المالية والإدارية والتي يعتبر إعدادها من مسؤولية هذه الجهات، حتى تتحقق من أن استثمارات الدولة تتم وفق ما هو مخطط لها وبصورة سليمة.
لذلك يأتي دور ديوان المراقبة العامة في مساعدة السلطة التشريعية، وذلك عن طريق إضفاء الثقة والمصداقية على تقارير هذه الجهات التي عهد إليها جزء من المال العام كأحد مواردها بالإضافة إلى أن الرقابة الحكومية تقدم انتقاداً بناءً للنظم الإدارية للاستثمار من أجل تحسينها.
وقد نصت الفقرة (4) من المادة (9) من نظام الديوان على أن: كل مؤسسة خاصة أو شركة تساهم الدولة في رأسمالها أو تضمن لها حداً أدنى من الأرباح على أن تتم الرقابة عليها وفق تنظيم خاص يعده الديوان ويصدر به قرار من مجلس الوزراء يحدد فيه مدى هذه الرقابة بحيث تتناسب مع طبيعة عملها ومدى علاقتها المالية بالدولة وبحيث لا يعرقل نشاطها.
وتنفيذاً لذلك أصدر مجلس الوزراء بقراره رقم (390) وتاريخ 18/4/ 1397هـ لائحة رقابة ديوان المراقبة العامة على المؤسسات الخاصة والشركات وتضمنت اللائحة بيان اختصاصات الديوان وكيفية تطبيقها.
وفي الحقيقة أن اللائحة أعطت صلاحيات واسعة للديوان للقيام بدوره الرقابي على أكمل وجه، إلا أن هناك تحديات وصعوبات تواجه الديوان عند ممارسة هذه الصلاحيات على أرض الواقع، ومن هذه التحديات: غالباً ما يكون هناك تعارض بين مديري هذه الشركات والمؤسسات من ناحية وديوان المراقبة من ناحية أخرى، فالمديرون يرغبون في اتخاذ القرارات بحرية استناداً إلى خبراتهم واستجابة للمتغيرات البيئية في مجال الأعمال دون التقيد بالقواعد القانونية التي قد تعوق إنجاز العمليات، أما الديوان فهو يسعى لفرض نوع من الرقابة على قرارات مديري هذه الشركات، ومن هنا ينشأ الجدل وكثرة التفسير للأنظمة والقوانين وحجب المعلومات بين الديوان وهذه الشركات.
هذا بالإضافة إلى وجود بعض المؤسسات العامة التي تعمل على نظامين محاسبين مختلفين (الحكومي والتجاري) بشكل مزدوج، لأسباب اقتصادية وقانونية وضعف استقلاليتها، وهذه المؤسسات تفتقر إلى نظام لمحاسبة التكاليف والتقارير المالية فيها غير واضحة، حيث لا يوجد تحديد للاعتماد على التقارير المالية الصادرة من النظام الحكومي أم التجاري، مما يؤدي ذلك إلى عدم وضوح دور الديوان تجاه هذه المؤسسات.
ويذكر أيضاً أن الأنظمة والتعليمات تلزم المؤسسات العامة والشركات بالتعاقد مع مراجع قانوني خارجي لمراجعة حساباتها وقوائمها المالية، كما أن لائحة رقابة الديوان سالفة الذكر نصت في المادة (1) على أن: ...تكون مراجعة الديوان لحسابات المؤسسات الخاصة والشركات المذكورة طبقاً للأصول التجارية وفي نطاق الأحكام المنظمة لأعمال هذه المؤسسات والشركات، ومن هنا يتضح عدم تحديد مسؤولية فاصلة بين المراجع القانوني وكذلك الديوان بخصوص المراجعة المالية للشركات والمؤسسات والتي قد تكاد تكون مسؤولية واحدة، كما أن بعض أدلة إجراءات المراجعة الخاصة بالديوان تتشابه إلى حد كبير مع إجراءات المراجعة التي يقوم بها المراجع القانوني في التحقق من أرصدة القوائم المالية.
ومن الحلول المقترحة لحل هذه الإشكالات والتحديات التي تواجه الديوان في ممارسة الرقابة المالية على المؤسسات العامة والشركات، التوسع من قبل الديوان في فحص وتقييم أنظمة الرقابة الداخلية لهذه المؤسسات والشركات على الحسابات ذات الأهمية النسبية العالية، والتوسع أيضاً في تطبيق رقابة الأداء، حيث إن لها دورا كبيرا في مجالات استثمارات الدولة الاقتصادية، مع تبني مفهوم المساءلة العامة بمفهومها الواسع، والنظر في الأنظمة والقوانين التي تحدد مسؤوليات المراجع القانوني والديوان في الرقابة المالية على الشركات المستثمر بها من قبل الدولة.
ولتوضيح الأثر المحتمل لهذه المقترحات أسوق المثال التالي:
لنفترض أن إحدى الشركات الوطنية حققت خسائر متتالية خلال السنوات الثلاث الأخيرة على التوالي (10 ملايين)، (15 مليونا)، (20 مليون ريال)، ولنفترض أن رأي المراجع القانوني للشركة يوضح أن البيانات المالية للشركة تقدم صورة عادلة عن الوضع المالي، وقد يكون سبب هذه الخسائر هو سياسات وإجراءات الشركة أو هناك فلسفة للإدارة تتمثل في زيادة الأرباح دون النظر في جودة السلع أو العكس، وقد يكون السبب أيضاً في ارتفاع تكاليف المشتريات ، أو أن يكون هناك ضعف في إدارة المشتريات بالشركة...إلخ، وهذه العوامل تستطيع رقابة الأداء وتقييم أنظمة الرقابة الداخلية التعامل معها وتقديم توصيات تهدف إلى تقديم تحسينات ومعالجة مشاكل الشركة فضلاً عن تقديم صورة واضحة للسلطة التشريعية عن الأوضاع المالية والإدارية للشركة من قبل جهة محايدة ومستقلة مثل ديوان المراقبة العامة.
هذا باختصار عن الرقابة المالية في الشركات والمؤسسات العامة، وفي النهاية أود التذكير بقول خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في افتتاحه لأعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة لمجلس الشورى: (إننا لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير ومن هنا سوف نستمر بإذن الله في عملية التطوير وتعميق الحوار الوطني وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد والقضاء على الروتين ورفع كفاءة العمل الحكومي).