غالبا ما تأتي الحماسة المفرطة بنتائج غير مرضية، تقود في المحصلة إلى ندم غير مجد.
هذا الحال ينطبق كثيرا على الإصدارات الأدبية الأولى التي يطرحها هذا المؤلف أو ذاك، مستعجلا اقتحام عالم النشر الورقي بكل الإقرار الذي يحققه للمؤلف كصاحب إنتاج مسجل، له حقوقه المعنوية والأدبية.
هذه الحماسة قد تقود البعض إلى الدفع بإنتاجه إلى المطابع ودور النشر، على الرغم من أنه لم يكتمل، وأنه أنجز على عجل، وقبل نضوج التجربة، أو على الأقل قبل استواء صاحبها على صهوة جواد التأليف بكل مطباته وهناته وألغازه.
في أحايين كثيرة تبدو رغبة الكاتب، وبعد أن تنضج تجربته قليلا في التغاضي عن إصداره الأول، وكأنه يتنصل منه، أو يتراجع عما فيه، أو يسعى إلى تجاهله عمدا، خصوصا حينما يتلمس أن هناك بونا شاسعا بات يفصله عما وصل إليه من مستوى في الوقت الحالي، وعما كان حين أطلق ذاك الإصدار الأول.
ولأن العودة بالزمن إلى الوراء حيث يمكننا معالجة الأخطاء التي ارتكبناها تبدو مستحيلة، فإن العناية المسبقة والتمهل انتظارا لاكتمال الأدوات سيكونان أجدى لأصحاب المؤلفات الأولى الراغبين في السير في وعورة دروب الأدب بكل أجناسه.
والعناية والتمهل المقصودان قد لا يتحققان لو كان المؤلف يعمل في معزل عن محيط أدبي يمكن أن يساعده في محاكمة نتاج إبداعه، لأن هذا الانعزال لن يقدم له فكرة دقيقة عن الهنات والهفوات التي يجدر به تجاوزها، دون إغفال أهمية إيمانه أولا وآخِرا بموهبته.
ويعد النقد مسألة بالغة الأهمية تأتي تالية للعمل الإبداعي، لكن يمكن للمؤلف غير المنعزل أن يودع بعض نتاجه قبل الدفع به إلى الطبع لدى ناقد يثق به ليستفيد من رؤيته في تبيان مواطن الجودة والرداءة، ومحاكمة النص كعمل أدبي بمعزل عن صاحبه.
وفي وقت تمارس فيه بعض دور النشر في بعض دول العالم المتقدم هذا الدور الرقابي النقدي، عبر عرض الأعمال على محكمين من النقاد، وأحيانا عبر التدخل باقتراحات تعديل تناقش مع الكاتب للوصول بالنص إلى أبهى صوره، نجد أن هذا يغيب ربما بشكل مطلق عن دور النشر لدينا، والتي تكاد علاقتها بالكاتب تكون مجرد علاقة تاجر بزبون، وليست علاقة مبدع بناشر للإبداع، ما يؤكد على ضرورة عدم الاستعجال حتى لا تكون الحصيلة في النهاية ندما.