لم يبق على بعض دعاة الصحوة ممن يروجون لإبطال التفكير والتصدي لاستخدام العقل الذي ميز الله به الإنسان عن غيره من المخلوقات والانقياد المطلق للأحكام والأفكار السائدة؛ سوى الإعلان عن طلب عقول للإيجار واستصدار صكوك تثبت ملكيتها لهم، ومن ثم تسيير الجموع في اتجاه واحد، يزعمون أنه هو الطريق الوحيد إلى الجنة. وحين يفعلون ذلك يظنون أنهم كسبوا معركة الحياة وفازوا بالرضا الإلهي بعد أن منعوا معصية التفكير والبحث والنظر والتأمل! رغم أن الله حث عليها وكانت سببا في تطور البشرية وصناعة معجزاتهم وابتكاراتهم.
حين نزل الإنسان على الأرض كان لا يفقه في أمور دنياه سوى ما علمه الله لسيدنا آدم من أسماء، حتى وصل به الأمر إلى الحيرة تجاه صيرورة الحياة، فأرسل الله له غرابا يعلمه كيف يواري سوءة الميت، ولو أنه استخدم عقله وأعمل التفكير لما أقدم على جريمته.
قبل وصول الإسلام إلى العرب كانت عقولهم مكبلة بالحكم السائد والعرف المتوارث والتقليد، ويدعم كل هذا الخوف من العقوبة الافتراضية المترسخة في العقل الجامد دون وعي، من مغبة الخروج على الجماعة ومخالفة الناموس في الاعتقاد والسلوك، ولو أن أحدهم فكر قليلا لعرف أن الله خلق الأنثى لتكمل الثنائية البشرية التي تقوم عليها الحياة وتعمر بها الأرض، وأنه حين يدفنها بيديه ستنتهي الحياة ويتوقف النماء البشري.
وحين دعا الإسلام إلى الالتزام بالقوانين الحياتية المتمثلة في التشريع المنزّل، كان ينطلق من مبدأ تنظيم العلاقات بين الخالق والمخلوق، وفيما بين الخلق وبعضهم، لكن هذا الدين العظيم لم يأت ضعيفا أو مهزوزا ليمنع استخدام العقل ويخاف من العقلانية وحرية التفكير، بل كان محرضا على الفكر والتفكر، بل وفارضا له، وكانت النتيجة أن حرر الإنسان من التبعية والوصاية وسلطة الكهنة، وجعله ينطلق في كل الاتجاهات بما يخدم وجوده على هذه الأرض، ومع ذلك لا يزال هناك بيننا من يرغب في التكهن على رؤوسنا، وحشر الناس في زاويا رؤاه الضيقة: العقل يناهض الدين.. لا تفكر.. اسمع واعتقد!